σύρος
وهما أشبه بصناعة السفن وبالصناعة على الإجمال ، وليس أبعد من الفرض الذي يجعل هذه الكلمات منقولة عن اليونانية إلى العربية، مع العلم بسبق العرب في الملاحة والكتابة وقياس ما ينقل في السفن ووزنه وتقديره.
ونظير ما تقدم في الدلالة على اقتباس اليونان دائما من العرب في أمثال هذه الألفاظ التي ترتبط بالمعاملات وشئون المعيشة؛ أنهم حولوا أسماء أيام الأسبوع إلى الترتيب العددي أسوة بأسمائها العربية، وغيروا منها اسم السبت والأحد بعد ظهور المسيحية، وهل كان اقتباسهم من المسيحية إلا اطرادا في هذه القاعدة وجريا على هذا القياس؟!
والفلسفة
والفلسفة ليست بالاستثناء من هذه القاعدة العامة في تاريخ الثقافة الشرقية اليونانية، خلافا لما يظنه القائلون بأن فلسفة اليونان قد نشأت في منبتها نشأة منقطعة عن ثقافة العالم في جملتها.
إن طاليس هو أبو الفلسفة اليونانية كما قال عنه أرسطو الملقب ب «المعلم الأول». وقد ذكره في كتاب ما بعد الطبيعة وقال عنه: إنه مؤسس الفلسفة، واستشهد بقوله: إن الماء مصدر جميع الأشياء. وذكره في كتاب السماء واستشهد بقوله: إن الأرض جسم يطفو على الماء. وذكره في كتاب النفس واستشهد بقوله: إن المغناطيس ذو حياة؛ لأنه يقدر على تحريك الحديد. وذكره في كتاب السياسة، وروى من أخباره أنه أدخل بعض التحسين على معاصر الزيتون وجمع ثروة حسنة بهذا الاختراع.
وفي الأخبار التي جمعها عنه كتاب «المرشد إلى من قبل سقراط من الفلاسفة» أنه عرف أسباب الكسوف والخسوف، وأنه كشف منزلة الدب الأصغر من منازل الفلك، وأنه أدخل الفلسفة من مصر إلى بلاد اليونان، واهتدى إلى قواعد تمكنه من قياس مسافة البعد بين الشاطئ والسفن في البحر، وتمكنه من قياس ارتفاع الهرم بقياس ظله، كما اهتدى إلى بعض النظريات في حساب المثلثات والدوائر، ويقول الكتاب بعد ذلك: إن المصادر المختلفة تنبئنا بأنه تعلم الهندسة من المصريين، وأنه وخلفاءه كانوا تلاميذ للمصريين والكلدانيين، وكان - ولا ريب - مدينا بالكثير مما عرفه في هذين العلمين اللذين اشتهر بهما ... وإن كان المفهوم أنه استخدم الأساليب العلمية في تنظيم هذه المعرفة.
ومما له معناه الظاهر في نسبة المعارف التي استخدمها طاليس إلى مصادرها أنه كان معدودا من «حكماء اليونان السبعة»، وأن هؤلاء الحكماء كانوا أشبه ب «هيئة مستقلة» لا تنقص عن هذا العدد، ويضاف إليها بديل ممن يخرج منها إذا ثبت أنه أقحم نفسه على الهيئة بسلطان لإمارة أو الرئاسة.
ولا يخفى أن «نحلة السبعة» في كل اقتراناتها ترجع إلى مصدرها الأول من بلاد ما بين النهرين؛ حيث يتكلمون عن السيارات السبع وعن الأيام السبعة وعن السوابيع المتعددة في أعمار الأكوان، وقد كان طاليس يعيش في ليديا من بلاد آسيا الصغرى، ويتلقى معلوماته من قبلها في مسائل الفلك ومسائل النظريات الكونية وأصول الخلق والحياة، وكان تلميذا للمصريين في العلوم الرياضية كما يقول مؤرخوه.
فإذا قيل: إن الفلسفة ليست بالاستثناء في شئون الثقافة التي نقلها اليونان عن الشرق، فهو الواقع الذي تتفق عليه مصادر التاريخ ومراجع الفلسفة، وإن كانت الفلسفة اليونانية قد تطورت كثيرا بعد طاليس ونظرائه من الحكماء، حتى أصبحت في عصر أرسطو وتلاميذه الأولين جديرة بالانتساب إلى اليونان دون غيرهم من أمم الثقافة والحضارة في الأزمنة الغابرة.
نامعلوم صفحہ