تأليف
عبد الرحمن شكري
أحلام الشباب
احذر أن يكون أملك في صلاح الحب كبيرا، فإنه بقدر أملك من صلاحه يكون يأسك من فساده، وبقدر يأسك من فساده يكون جهلك جمال الحياة، فإذا أردت أن لا يغيب عنك جمال الحياة فاجعل أكثر حبك حنانا وعبادة للجمال، واحذر أن تجعله غاية، فليس الحب آفة، ولكن الاغترار به آفة الشباب.
وقصة الحب الخائب تمثل زوال آمال الشباب، فإن الشباب باب يطل على الأبد، إذا قربه صاحب النفس الظامئة إلى الكمال شم منه ريح الخلد، فأصابه داء الأبد فكان من مرضى الخلود، وإن إبلال المرء من ذلك الداء أشد على النفس منه، فإذا أصيب امرؤ بذلك الداء ثم أبرأته التجارب منه كان برؤه أوجع في النفس منه؛ لأن الحب يترك مكانه يأسا لا يمحوه شيء غير تعاقب الأيام، وقد لا يمحوه تعاقبها.
كل إنسان إذا بلغ الشباب وبلغ من التهذيب مبلغا زعم أن الحب فرض على كل مخلوق، وأن فيه برءا لما في هذا الوجود من الشر، ولا يزال يلتمس صلاح الكون بصلاح الحب، حتى إذا أكلت التجارب قلبه ونهشت لبه عاد ذلك الحب يأسا بعد أن كان أملا، فيفيق من حلم الشباب وكأنه ذلك الرجل الذي رأى أنه يعانق خيال حبيبته، فلما عانقه ذهب عن ذلك الخيال بهاؤه ورأى المسكين أنه يعانق رمة بالية.
إن عبادة الجمال تمنح المرء سعة في الذهن وتطلقه من رق التعصب لجانب من جوانب الحق، فإنها تريه أن للحق جوانب كثيرة، وأن أكثر الناس لا يرون إلا جانبا من جوانبه، ولكن واسع الروح الذي امتلأ روحه من حب الجمال وإجلاله، وامتلأ ذهنه من صور الجمال والملاحة، لا يقيد رأيه بجانب واحد من جوانب الحق.
إن عبادة الجمال تطلق المرء من عقال التحيز والغباء وضيق الذهن، وتفيض على روحه نورا يضيء له أسرار الحياة، وتفتح أبواب القلب لكل طارق من حسنات الطبيعة.
ورب أمة كان أفرادها يغذون أبصارهم برؤية الجمال ويغذون قلوبهم بعبادته، فكان للجمال بينهم سلطان على التناسل، فكانت تولد لهم أبناء حسان، وقد أذكرني هذا ما تفعله نساء الفلاحين في مصر، فإنهن يضعن في غرفة الحبلى صورة السفيرة عزيزة أو صورة خضرة الشريفة، ويزعمون أن الحبلى إذا أكثرت من النظر إليها أتى الوليد حسنا، ويقلن إن نظر الحبلى إلى الصور الجميلة يكسب الجنين شيئا من الحسن.
رأيت مرة في الحلم أني أحببت فتاة روحها واسعة كبيرة، فهي كالغابة سمت فروعها وأشجارها حتى أضللنا أعاليها في أعماق السماء، وإن من النفوس نفوسا غير محدودة بحدود الفكر، نفوسا لا نهاية لها، نفوسا يضل المرء أعاليها في أعماق الأبد، هذه النفوس مثل نفس من أحببتها، ثم صحوت من النوم فلم أر حولي غير نفوس أحقر من البق.
نامعلوم صفحہ