[الثمرات]
التاسع: قوله تعالى:
{والله على كل شيء قدير}
يعني في نصرة رسوله ، وأنه تعالى يغنيه عن نصرتكم، وفي هذا تهديد، وقد ورد الخبر عنه : ((من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجب كبه الله في نار جهنم)) الواعية: الصارخة، ذكره في الصحاح، ولعله أراد هنا الدعوة؛ لأنها كالصارخة لتجاب.
قوله تعالى:
{إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}
أراد بقوله - عليه السلام- لصاحبه وهو أبو بكر، وقد استدل على عظيم محل أبي بكر من هذه الآية، من وجوه:
منها قوله: {إذ يقول لصاحبه} وقوله: {لا تحزن} وقوله: {إن الله معنا} وقوله: {فأنزل الله سكينته عليه}
قيل: على أبي بكر عن أبي علي والأصم.
قال أبو علي: لأنه الخائف المحتاج إلى الأمن، وقيل: على الرسول عن الزجاج، وأبي مسلم.
قال جار الله: وقد قالوا: من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر؛ لأنه رد كتاب الله.
قوله تعالى:
{وجعل كلمة الذين كفروا السفلى}
أي : دينهم ، ولقائل أن يقول في ذلك دلالة على أنه لا يخلون في إظهار شعارهم.
قوله تعالى:
{انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة}.
النزول: قيل: نزلت في المتخلفين عن (1) غزوة تبوك من المنافقين، وقيل:بل استأذنه جماعة من المنافقين في التخلف فنزلت.
صفحہ 1
وعن مجاهد: لما أمروا بالنفير قالوا: فينا الثقيل، وذو الحاجة فنزلت، وذكر الأصم قال: لما نزلت الآية جاء ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله أعلي جهاد؟ فقال : ((ما أنت إلا خفيف أو ثقيل)) فرجع ولبس سلاحه وجاء فوقف بين يدي رسول الله وأنزل الله تعالى: {ليس على الأعمى حرج}.
قال الحاكم: إنما وجه آخر الآية إلى المنافقين مع أولها في المسلمين؛ لأنهم كانوا يظهرون الإسلام فأجرى عليهم حكم المؤمنين وعرف حالهم ليتحرز من مكابدتهم.
وثمرة الآية :
وجوب الجهاد والنفير عند دعاء الرسول على الجميع من الخفيف والثقيل.
قيل: الخفاف الشباب، والثقال الشيوخ، عن أنس والحسن، والضحاك، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة، ومقاتل، وأبي علي.
وقيل: مشاغيل وغير مشاغيل، عن الحكم.
وقيل: خفافا من المال وثقالا منه، عن أبي صالح، وقيل: نشاطا وغير نشاطا عن ابن عباس وقتادة وأبي مسلم.
وقيل: ركبانا ومشاة عن عطية العوفي، وأبي عمرو، وقيل: ذا ضيعة وغير ضيعة، وقيل: من أصحاء ومرضى.
وقيل: أخفاء من السلاح وثقالا به، واختلف المفسرون هل في الآية نسخ أم لا؟ فقيل: إن فيها نسخا بقوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج}.
وعن ابن عباس: نسخ النفير على الضعيف بقوله تعالى في هذه السورة{ليس على الضعفاء ولا على المرضى}.
وقيل: لا نسخ فيها، ذكره القاضي ابن أبي النجم في كتابه: (التبيان).
قال عبد الله بن الحسين في قول من قال إن فيها نسخا :إن هذا قول مدخول فاسد، وهي ناسخة غير منسوخة، وأنها مؤكدة بوجوب الجهاد على الثقيل والخفيف وأنها رادة لقول من قال: إن فينا الخفيف والثقيل.
وقال في الكشاف: وعن صفوان بن عمرو كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك، فرفع حاجبيه وقال: يابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا إلا أنه من يحبه الله يبتليه.
صفحہ 2
وعن الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهب إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب مرض فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكنني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع.
ولكن كلام المفسرين في قوله: {ليس على الضعفاء} إلى آخرها أن الأعذار المذكورة مسقطة لوجوب الجهاد على أهلها إشارة إلى نسخ هذه أو تأويلها.
وقوله تعالى:
{وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم}
دلت على وجوب الجهاد بالنفس والمال.
أما بالنفس فذلك ظاهر وسيأتي بيان من رخص له.
وأما بالمال فقد أفادت وجوب الجهاد بالمال ، والآيات متظاهرة بذلك مثل قوله تعالى في هذه السورة: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
وقوله تعالى في سورة الصف: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم}.
قال الحاكم: والجهاد بالمال ضروب،
منها: إنفاقه على نفسه في السير إلى الجهاد.
ومنها: صرف ذلك إلى الآلات التي يستعان بها على الجهاد.
ومنها: صرفه إلى من ينوب عنه أو يخرج عنه.
قال جار الله: وقد دلت على وجوب الجهاد بهما إن أمكن أو بأحدهما.
وقد ذكر المؤيد بالله أن من له فضل مال وجب عليه أن يدفعه إلى الإمام إن دعت إليه حاجة.
وذكر المنصور بالله وجوب دفع ما دعت إليه الحاجة من الأموال في الجهاد قليلا كان أو كثيرا، ويتعين ذلك بتعيين الإمام.
وأما من طريق الحسبة فقال المنصور بالله: يجب ذلك إن حصل خلل لا يسده إلا المال، وذكره الهادي في مسائل الطبريين.
قال محمد بن أسعد: والمشهور من المذهب أن ذلك إنما يكون إلى الإمام.
صفحہ 3
واعلم أنه يدخل في هذا إلزام الضيفة وإنزال الدور [وتنزيل الدور]، وقد قال المنصور بالله: للإمام أن يلزم الرعية الضيافة على ما يراه من المصلحة.
وروى الفقيه محمد بن سليمان عن المؤيد بالله أن للإمام إنزال جيشه دور الرعية، إذا لم يتم له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالجند، واحتاجوا إلى ذلك، كما يجوز دخول الدار المغصوبة لإزالة منكر، وكذا ذكر أبو مضر أنه ينزل في الزائد على حاجة أهل الدار وروى الأستاذ عن المؤيد بالله أنه لا يجوز .
واعلم بأن الجواز مشروط بأن لا تعرف عدوان من ينزل في الدار من جيشه بظلم أو فساد، فإن عرف ذلك عورض بين مطلب الإمام في دفعه المنكر وبين هذا المنكر الواقع من الجند أيهما أغلظ ذكر نظير هذا صاحب قواعد الأحكام.
وأما المذهب (1) ..............
فائدة: وإن لم يتمكن الإمام من أخذ المال إلا بالإرصادات التي يفعلها الظلمة من القتالات.. (2)........
وقوله تعالى:
{لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة}
العرض متاع الدنيا.
قال - عليه السلام-: ((الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر)) والقاصد القريب الذي لا مشقة فيه، والشقة: المسافة، وهذا تأكيد لوجوب الجهاد، سواء عرف حصول الغنيمة أم لا، وسواء أقربت المسافة أم بعدت.
قوله تعالى:
{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
في هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز للإمام التقصير في النظر، ويجب عليه الفحص فيما يصدره من الأحكام، وذلك لأن الله تعالى لما أوجب النفير على الخفيف والثقيل، استأذنه المنافقون، واعتذروا بمعاذير غير صادقة، فأذن لهم بترك النفير لظنه صدق معاذيرهم فلم يكن بإذن من الله تعالى.
صفحہ 4
قال في الحاكم عن قتادة وعمر: شيئان فعلهما رسول الله من غير استئذان: إذنه للمنافقين وأخذ الفدية من الأسارى، فعاتبه الله تعالى، وكان ذلك صغيرة من النبي - عليه السلام- ؛ لأن قوله تعالى: {عفا الله عنك} دلالة على الخطيئة، وكذلك قوله: {لم أذنت} وقيل: لم يكن ذنبا ولكن تركا للأفضل، فالمعنى لم أذنت بترك الأفضل.
وقوله تعالى: {عفا الله عنك} جيء به لتعظيمه كما يقال: عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي ، والأول عن أبي علي وغيره.
وقوله تعالى: {حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} يعني بالوحي أو بالفحص، والمراد فإذا تبين لك الذين صدقوا فلك أن تأذن، إن قيل: إذا كانت المعاذير صادقة سقط النفير عنهم من غير استئذان فكان الإذن منه لا يفيد ؟ ولعل جوابه أن إذنه - عليه السلام- بيان لإذن الله،
وقد قال المنصور بالله في المهذب من ترك الجهاد مع الإمام، واعتل بأنه يعين بالمال، أو أنه قد وقع له إذن من الإمام سقطت عدالته وحكم بخطئه، فحصل من هذا وجوب الفحص على الإمام، وأن إذنه لا يفيد من لا عذر له، ومن كان له عذر استغنى عن إذن الإمام.
قوله تعالى:
{لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين، إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}.
ثمرة ذلك:
التحريض على الجهاد والمدح على من حرص عليه، وذم من حاص عنه ، وذلك لأنه تعالى بين حال المؤمنين وشدة حرصهم على الجهاد بأنه ليس من عادتهم الاستئذان وهو طلب الإذن، لكن للمفسرين في معنى ذلك قولان:
الأول: محكي عن ابن عباس والأصم وأبي علي.
صفحہ 5
قال الحاكم: وأكثر المفسرين أن المراد لا يستأذنونك في القعود وترك الجهاد بالمعاذير الكاذبة كما كانت عادة المنافقين.
والثاني: أن المراد لا يستأذنونك في الجهاد تملقا بل يكتفون بالدعاء العام، عن أبي مسلم.
وقوله تعالى: {إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله} فيه المعنيان، ابن عباس ومن معه في القعود، وأبو مسلم في الخروج للجهاد تملقا.
تنبيه: يقال عادة عدة من الفضلاء طلب استطابة نفوس الأئمة لطلب الإذن من الإمام في التأخر أو ترك الهجرة فهل لذلك من فائدة أو الأفضل ترك ذلك؟
ولعل الجواب والله أعلم على ما يفهم من كلام المفسرين أن ذلك لا يفيد مع عدم العذر، ومع العذر هو مستغن عن الإذن، وقد تقدم قول المنصور بالله في هذا، وإنما تكون فائدته كشف العذر واستطابة نفس الإمام، واستعلاما له، هل العذر الذي طلب الإذن لأجله عذر في رأي الإمام أم لا؟
قال جار الله: وكان الخلص من المهاجرين والأنصار يقولون: لا نستأذن النبي أبدا، ولنجاهدن معه بأموالنا وأنفسنا.
قوله تعالى:
{ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين، لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولاوضعوا خلالكم}
من هذه الآية الكريمة نقتطف ثمرات هي أحكام شرعية:
الأولى: من قوله: {لأعدوا له عدة} وذلك أن عدة الحرب من الكراع والسلاح، وجميع ما يستعان به على العدو من جملة الجهاد فما صرف في المجاهدين صرف في ذلك، وهذا جلي فيما يتقى به من نكاية العدو،كالدروع والمجان وما ينكى به العدو من السلاح والنبال.
صفحہ 6
فأما ما يحصل به الإرهاب من الرايات والمراوح والطبول ونحو ذلك مما يضعف به قلب العدو فهو داخل في الجهاد، وقد قال تعالى في سورة الأنفال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ويكون ذلك كلباس الحرير حالة الحرب، وهذا جلي حيث لا يؤدي إلى السرف والتشبه بالفساق نحو استعمال الملاهي.
الثانية: أن الفعل يحسن بالنية، ويقبح بالنية، وإن استويا في الصورة؛ لأن النفير واجب مع نية النصرة، وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح، وذلك لأن الله تعالى أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل منه من إرادة المكر بالمسلمين.
الثالثة: أن للإمام منع من يتهم بمضرة المسلمين أن يخرج للجهاد فله نفي الجاسوس والمرجف والمخذل، والمعنى :ولو أرادوا الخروج لتأهبوا له بالعدة.
وقوله تعالى: {ولكن كره الله انبعاثهم} وذلك لأن خروجهم للفساد قبيح، والأمر بالنفير الذي أمر به تعالى، حيث يخلو عن القبيح.
وقوله تعالى: {فثبطهم} أي : خذلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث.
وقوله تعالى: {وقيل اقعدوا مع القاعدين}.
قال جار الله :جعل الله تعالى إلقاء الكراهة للخروج في قلوبهم أمرا بالقعود.
وقيل: هو قول الشيطان بالوسوسة.
وقيل: هو قولهم لأنفسهم.
وقيل: هو إذن رسول الله لهم في القعود.
فإن قيل: لم خطأ رسول الله في الإذن بالقعود والخروج قبيح؟
قيل: التخطئة في الإقدام بغير إذن (1) .
وقوله تعالى: {إلا خبالا} الخبال: هو الشر والفساد.
صفحہ 7
وقوله تعالى: {ولأوضعوا خلالكم} الإيضاع الإسراع، يقال: أوضع البعير وضعا إذا أسرع، والخلال جمع خلل، وهو الفرجة بيين الشيئين، وجمعه خلال، كجمل وجمال، والمعنى لا تسرعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين.وقيل: المعنى لا تسرعوا فيما يخل بكم.
وقرأ ابن الزبير: ولأرقصوا من رقصت الناقة رقصا إذا أسرعت -بالقاف- وهي قراءة شاذة، وقرئ في الشاذة أيضا ولأوفضوا.
قوله تعالى:
{ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا}
قيل: نزلت في المنافقين.
وقيل: في الجد بن قيس من المنافقين، قيل: قال للنبي : قد علم قوم أني مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر-يعني بنات الروم- أن لا أصبر فلا تفتني بهن، فأذن لي في القعود، وأنا أعينك بمال فاعرض عنه رسول الله وقال: ((أذنت لك)) وهذا فيه تأكيد أن من طلب القعود لعذر لا يعذر له، فإذن الإمام لا يفيد.
قوله تعالى:
{ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى}.
قال جار الله-رحمه الله-: قرأت في بعض الأخبار أن رسول الله كره للمؤمن أن يقول: كسلت؛كأنه ذهب إلى هذه الآية، فإن الكسل من صفات المنافقين فما ينبغي للمؤمن أن يسنده إلى نفسه.
وقوله تعالى:
{إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا}
قيل: بالسبي والغنيمة، وقيل: بالمصائب.
وقيل: المعنى لا تعجبك في الحياة الدنيا، فإن بالله يريد أن يعذبهم بها في الآخرة، وفي الآية دلالة على أن الكافر مخاطب بالواجبات.
قوله تعالى:
{ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}.
نزلت في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج، كان رسول الله يقسم غنائم حنين فقال له: اعدل يا رسول، فقال: ((ويلك، إن لم أعدل فمن يعدل)).
صفحہ 8
وقيل: في ابن أبي الحواظ (1) من المنافقين، وقيل: غير ذلك. وفي تعقيب هذا بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} إشارة إلى أن من خرج عن أهل الصدقات لا يعطى لأجل لمزه إن لم يعط، فيتفرع على هذا أن من خاف الإمام من أذاه لم يكن من أهل الصدقات، والله أعلم.
قوله تعالى:
{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
اعلم أن ثمرات هذه الآية متكاثرة وهي منقسمة إلى ما قد خصص وخرج عن دلالة الظاهر، وإلى ما هو باق على دلالة اللفظ، ونحن نتبع ذلك شيئا فشيئا بمشيئة الله، ونترجم ذلك بنكت.
النكتة الأولى: تتعلق بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} وهذا اللفظ بعمومه يجمع الصدقة الواجبة، والصدقة التي هي نافلة، ثم إن الصدقة الواجبة تتنوع أنواع:
منها: الزكوات بما هو العشر، أو نصف العشر، أو ربع العشر، أو زكاة المواشي، والفطرة.
ومنها: الكفارة: نحو كفارة اليمين والظهار، والصلاة والصوم، وما يتعلق بالحج من الفداء والجزاءات، والكفارات.
ومنها: ما يجب صرفه من المظالم، واللقطة، ومنها ما يؤخذ من أموال الكفار ورؤوسهم، ولهذا سم الله تعالى الغنائم صدقة في سبب نزول الآية، وذلك في قسمة غنائم حنين، فإذا كان هذا اللفظ يعم ما ذكر فهل تحمل الآية على عمومها في قسمتها على ما ذكر أو يخص البعض.
واعلم أن الكلام يتعلق بطرفين:
الأول: في عموم الصدقات.
والثاني: ذكر المصارف.
صفحہ 9
فالذي يفيده إطلاق اللفظ: أن جميع الصدقات تشترك فيها الأصناف الثمانية، كما لو قال قائل: ما بيدي من المواشي لزيد وعمرو وبكر وخالد، فإن جميع ما بيده من أصناف المواشي يكون بين المذكورين أرباعا.
وقد اختلف المفسرون فقيل: أراد الزكوات، وقيل: الصدقات عموما.
واعلم أن العلماء - رضي الله عنهم - قد قسموا الصدقات وجعلوا مصارفها مختلفة، فالكفارة لم يذكروا أنها تصرف في الثمانية المصارف، وقد ورد قوله: {إطعام عشرة مساكين} و{فإطعام ستين مسكينا} وورد قوله : ((في فدية الصوم أطعم عن كل يوم مسكينا)) وورد قوله تعالى في سورة البقرة: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} وورد في الفطرة قوله : ((أغنوهم في هذا اليوم)) .
وقد حكى السيد يحيى في كتابيه: (الجوهرة) و(الياقوتة) أنه لا يجوز التأليف بها عند القاسم والهادي وأبي طالب ,ويجوز ذلك عند المنصور بالله.
وورد في الغنيمة قوله تعالى: {أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}
فيقال: هل هذه الأدلة مخصصة لعموم لفظ الصدقات، وأن الزكوات مجمع عليها في أن مصرفها الثمانية الأصناف؟ أم كيف تنزيل الأدلة على القواعد الأصولية........... (1)
وأما ذكر المصارف فقد قلنا: ظاهر اللفظ بالقسمة بين الثمانية الأصناف ويؤيد هذا وجهان:
الأول: ما يقتضيه اللفظ اللغوي أن الواو للجمع والاشتراك.
صفحہ 10
والثاني: ما رواه أبو داود في سننه أن رجلا جاء إلى النبي فقال: أعطني من الصدقات؟ فقال النبي : ((إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيك حقك)) وقد ذهب إلى هذا الشافعي وعكرمة، والزهري، إلا أن يستغني أحدها دفع إلى الآخرين، بلا خلاف، وذهب طوائف إلى جواز الصرف في صنف واحد: طائفة من الصحابة وهم: عمر، وابن عباس، وحذيفة، وطائفة من التابعين وهم: عطاء وإبراهيم، وسعيد بن جبير، والحسن، وطائفة من الأئمة:قال في الشفاء: الهادي والقاسم، وأسباطهما، وزيد والمؤيد بالله.قال: وهو قول القاسمية والناصرية جميعا، وطائفة من الفقهاء وهم: أبو حنيفة وأصحابه ومالك.
قال في التهذيب: وادعى فيه مالك الإجماع، وخرجوا عن ظاهر دلالة الآية المذكورة والخبر بوجوه:
الأول: أن الله تعالى قال في سورة البقرة: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فدلت على أنه تعالى ذكر العدد لبيان جنس من يستحقها.
الثاني: الخبر وهو قوله -عليه السلام- لمعاذ: (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم وترد في فقرائهم)).
الثالث: حديث سلمة بن صخر فإنه -عليه السلام- جعل له صدقة بني زريق.
الرابع: أنه لم يظهر في ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه.
الخامس: المعارضة للفظ بالمعنى فإن المقصود منها سد الخلة.
قال صاحب النهاية: هذا أقرب إلى اللفظ، ويؤيد هذا أنها مستحقة بالمعنى لا بالاسم أنا لو قلنا: يستحق بالاسم لزم أن من كان فقيرا غازيا غارما مسافرا أن يستحق سهاما، وأجمع أنه لا يستحق سهاما لهذه الأسباب جميعا.
ثم نعود إلى ذكر الأصناف صنفا صنفا، فقوله للفقراء دلالة اللفظ تقضي بالاستغراق.
ولما كان متعذرا سقط الاستغراق، وهل يحمل على الجنس أو على أقل الجمع؟
قال الشافعي: يحمل على أقل الجمع وهو ثلاثة.
وقال محمد: إلى اثنين.
ومذهبنا وأبي حنيفة أن المراد الجنس فيجوز في واحد ؛ لوجهين:
الأول: ما روي أنه جعل صدقة بني زريق لسلمة بن صخر.
الثاني: أن الاستغراق لما تعذر حمله على الواحد كما إذا قال: لا أتزوج النساء ولا أشرب الماء حمل على الأقل.قال في الشرح: وقياسا على النذور :مفهومه أن ذلك وفاق .
صفحہ 11
وللمؤيد بالله قولان في الوقف على الفقراء هل يحمل على الجنس أو في أقل الجمع، وهو كالنذر فهذه دلالة اللفظ.
وأما دلالة المعنى ففي ذلك نكتتان:
الأولى: في ماهية الفقير.
والثانية: من يخرج من عموم اللفظ.
أما الأولى وهي ماهية الفقير الذي له أخذ الزكاة ففي ذلك أقوال:
الأول: إطلاق أهل المذهب أنه الذي لا يملك إلا المنزل وثياب الأبدان والخادم، وسواء بلغ النصاب أم لا.
قيل: وزيادة لا يبلغ النصاب، وآلة جهاد عام أوخاص من فرس، ودرع ونحو ذلك، بلغ النصاب أم لا.
القول الثاني: يحكى عن الناصر والشافعي أن المانع من أخذ الزكاة أن يملك الكفاية إلى الدخل، وقد تخرج للمرتضى وأبي طالب .
وفي النهاية: عن الشافعي المانع أقل ما يقع عليه الاسم من الغنى.
وعن مالك: يرجع في حد الغنى إلى الاجتهاد؛ لأنه يختلف باختلاف الحاجات، والأشخاص والأمكنة.
وفي التهذيب: عن الثوري من ملك خمسين درهما، ورواه في الترمذي عن الثوري، وأحمد وإسحاق، وعبد الله بن المبارك.
وقيل: من ملك أربعين درهما، وقيل: بحسب أحوال الناس من غير تقدير، وهو اختيار القاضي.
وقيل: المال الكثير لا يمنع إذا لم يكن له كسب.
إن قيل: من أين نشأ هذا الخلاف وبماذا تعلق هؤلاء في أقوالهم؟
قلنا: من قال بالنصاب الشرعي جعل ذلك من اعتبار الشرع، وقد ورد قوله -عليه السلام-: ((أمرت أن أخذها من أغنياءكم وأردها في فقرائكم)) وإذا كان الأغنياء هم أهل النصاب وجب أن يكون الفقراء ضدهم.
ومن لم يعتبر النصاب رجع إلى المعنى اللغوي، ثم اختلفوا فمن قال :أقل ما يقع عليه الاسم من الغنى مانع، قال: أطرده: بمعنى أن النصاب مانع ولو لم يكفه هو ومن يمون إلا مدة يسيرة.
ومن قال هو غير مقدر بل يختلف بالحالات من الأشخاص والأماكن والمؤن الكثيرة، والقليلة جعل لكل غنى.
صفحہ 12
ومن قدر بالخمسين أو الأربعين تعلق بما رواه أبو داود بإسناده إلى لنبي - عليه السلام- أنه قال: ((ومن سأل ومعه ما يغنيه جاء يوم القيامة خموش أو كدوح أو خدوش في وجهه)) فقيل: يا رسول الله وما الغنى؟ فقال: ((خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب)). وفي حديث آخر عنه : ((من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا)) والأوقية أربعون درهما.
قلنا: هذا خرج للنهي عن السؤال، وقد ورد في النهي عن السؤال ما رواه أبو داود من سأل ومعه ما يغنيه فإنما يستكثر من النار، فقالوا لرسول الله وما يغنيه؟ فقال: ((قدر ما يغديه ويعشيه)) .
وقد جمع بين الأخبار فقيل: أراد بقوله: ((ما يغديه وما يعشيه)) غنى النفقة، وبالأربعين والخمسين غنى الكسوة، ثم إن ثم فروعا نشأت :-
منها: إذا ملك من أصناف من كل مال دون النصاب:-
فعن الأمير الفاضل جمال الدين علي بن الحسين أنها تحرم وأنه قد صار غنيا عرفا.
وذكر السيد يحيى بن الحسين أن هذا لا يعتد به لاختلاف العرف، والأول أظهر.
ومنها: إذا ملك سلعا أو أراضي قيمتها النصاب، فقال المؤيد بالله: وتخريج الحقيني والأزرقي يحرم عليه؛ لأن ذلك قد يجب فيه الزكاة، لو كان للتجارة.
وقال الحقيني وخرجه الأزرقي أيضا : يجوز له لأنه ليس بغنى في الشرع، والتقدير بأنه قد يكون به غنيا في صورة ينتقض بمن ملك من الحب دون نصابه، وقيمتة نصاب من النقد؛ لأنه قد يملكه للتجارة، والخلاف حيث لم يصر غنيا عرفا كأن يملك من الأراضي ما يساوي أموالا جمة.
ومنها : إذا كان فقيرا وقبض النصاب أو أكثر منه في حالة واحدة هل يجوز له ذلك أم لا؟
فعلى قول الشافعي ومالك وقاضي القضاة وعبد الله بن الحسن : أن العبرة بالكفاية : يجيزون له أخذ الكفاية، وإن كان أنصبته بناء [ أيضا بناء ]على أنه لا يطلق عليه اسم الغنى إذا لم يكن معه قدر حاجته .
صفحہ 13
ومن اعتبر الغنى الشرعي، اختلفوا:فالذي نص عليه الهادي -عليه السلام- : أنه لا يجوز، وهو قول أحمد بن عيسى والحسن بن زياد، والوجه أن يملك الصدقة صادف حال الغنى.
وقال القاسم والمؤيد بالله: يجوز، وهو قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأن حال الملك حال الفقر، ويقال في التحقيق: علة الملك هي الفقر وعلة الغنى هي الملك يظهر بذلك ترجيح قول القاسم والمؤيد بالله لأنه ملك أولا وبعد الملك حكم عليه بالغنى .
وإن نظرنا إلى أن الإباحة تعلقت بقدر الحاجة والزائد ممنوع فأشبه قول القائل أعط زيدا درهما فأعطى درهمين ظهر ترجيح قول الهادي.
وفي سنن أبي داود أنه ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة، وهو يحتمل أن يناسب قول الشافعي أنه يأخذ قدر الحاجة، والله أعلم.
ومنها: إذا كان فقيرا وجوزنا له أن يأخذ دون النصاب من الزكاة أو النصاب أو قدر الحاجة هل له أن يتنعم فينفق في اليوم من أكل الملاذ، واستعمال الأطياب ونحو ذلك كما ينفق في الشهر؟ وهل له أن يصل بالصلات المباحة من أحب، ويأخذ جميع ذلك من الزكاة، أو يحرج عليه في ذلك ؟ فيقال: يقسط على نفسه ما يليق بالفقراء.
وجواب ذلك أن في حديث بريرة دلالة على الجواز؛ لأنها أهدت الصدقة للنبي ، وفي حديث لعائشة فقال : ((هي لها صدقة ولنا هدية)).
وروي في صحيح مسلم بالإسناد إلى أم عطية قالت :بعث إلى رسول الله بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشيء، فلما جاء رسول الله إلى عائشة فقال: ((هل عندكم شيء))؟ فقالت: لا إلا ما جاء إلينا من هذه الشاة، فقال: ((إنها قد بلغت محلها)).
ومنها: إذا ملك دون النصاب فنقله إلى غيره ليتملك أكثر ففي ذلك كلام للفقهاء: فقال المؤيد بالله: إن فاعل ذلك ينكر عليه.
قال في حواشي الإفادة: هذا إن فعله للمكاثرة لا لأخذ الكفاية إلى وقت الدخل، واقتطاف المنع من علة استحقاق الفقير للزكاة، وذلك دفع الخلة والحاجة.
وأما ما يفيده لفظ الفقراء:- فاعلم أن هذا لفظ عام يدخل فيه كل فقير، وما خرج فبمخصص،وفي هذا مسائل:
صفحہ 14
الأولى: في أنه لا فرق بين أن يكون قويا في بدنه أو ضعيفا؛ لأن ذلك داخل في عموم لفظ الفقراء، ولأنه جعل صدقة بني زريق لسلمة بن صخر، وكان قويا في بدنه، وهذا مذهبنا، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي .
وقال في قوله الآخر: لا يحل للقوي لقوله : ((لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)). وروي: ((ولا لذي مرة قوي)) روى ذلك في السنن.
وفي سنن أبي داود أن رجلين سألاه وهو يقسم الصدقات في حجة الوداع فرفع فيهما البصر وخفضه فرآهما جلدين فقال: ((إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)).
قال المؤيد بالله: هذا محمول على الكراهة.
وقال القاسم: محمول على حظر السؤال للقوي المكتسب.
وقال ابن داعي :كان هذا أول الإسلام لقلة الصدقة وكثرة الفقراء ثم نسخ بقوله تعالى: {إنما الصدقات} وهذا فيه نظر؛ لأن النهي في حجة الوداع والتوبة مدنية، ونزولها قبل حجة الوداع، وفي السؤال خلاف وتفصيل موضعه كتب الفقه.
قال المؤيد بالله: فإذا أخذنا لسؤال ملك وإن عصى[فإن أخذ بالسؤال ملك وإن عصى].
قال الفقيه يحيى بن أحمد: أما لو كان القوي مشغولا بطلب العلم حلت له إجماعا.
الثانية: إذا كان الفقير من الأرحام، فإن كان من الأصول أو الفروع حرمت عليه، وخرج من عموم الآية بالإجماع، ولو كان ولدا من زنا.
ففي شرح أبي مضر: تحرم عليه عند المؤيد بالله، كما حرم النكاح، ويحل عند أبي طالب ، وأشار في الشرح إلى أنها تحل إجماعا.
ولو كان مشتركا بينه وبين غيره حرمت لاجتماع جانب الحظر والإباحة، وأما ما عدا الآباء والأولاد فقال أبو حنيفة والشافعي : يجوز لعموم الأدلة.
صفحہ 15
قال أبو حنيفة: وسواء وجبت النفقة على الدافع للمدفوع إليه أم لا، أما الشافعي فهو لا يوجب نفقة غير الآباء والأولاد، ومذهب الأئمة ومالك أن ذلك لا يجوز؛ لأن الصارف يصير منتفعا بزكاته من حيث أن النفقة تسقط عنه، فجعلوا هذا الاعتبار مخصصا للعموم، واختار الإمام يحيى الجواز، واحتج بحديث( الصدقة على ذي الرحم صدقتان: صدقة وصلة )، ولكن تحقيق كلام أهل المذهب أن النفع إن حصل حال الصرف بأن يثبت تسقط واجبا بما صرفه فالمنع ظاهر على قولهم، وإن لم يسقط بصرفه شيئا قد وجب كأن يكون مع الفقير قوت عشرة أيام، أو يدفع إليه قوت اليوم، فقوت غد لم يجب الآن فهل له أن يصرف إليه؟ هذا محتمل.
وقد قال الفقيه محمد يحيى : إذا كان الفقير له دخل جاز، وإن كان لا دخل له لم يجز؛ لأنه قد أسقط بالزكاة نفقة غد وهذا محتمل؛ لأن الوجوب مجوز لجواز أن يستغني أو يموت.
وأبعد من هذا ما يحكى عن أبي علي، والزيادات أن المانع القرابة الموجبة الميراث، لأن مثل هذا ليس يصلح علة المنع.
أما لو صرف إلى عبده أو مدبره، أو أم ولده، أو مكاتبه فذلك لا يصح؛ لأن ذلك كالدفع إلى نفسه، ولو صرف إلى مضطر يعين عليه طعمة[ تعين عليه طعمه] جاز؛ لأن الواحب أن يقرض لأن النفقة قد تعلقت بذمة الغني، وكذا إلى فقير عليه له دين ليقتضيه سواء حجر عليه أم لا؛ لأن الفقير ينتفع بقضاء دينه.
الثالث: إذا صرف إلى زوجته الفقيرة هل تجزي؟
قلنا: ذكر الإمام يحيى بن حمزة، والإمام إبراهيم بن تاج الدين، والسيد يحيى، وقواه الفقيه يحيى : الجواز لعموم الآية، ولأن نفقتها لا تسقط بما يدفع إليها بخلاف القريب.
وظاهر المذهب المنع؛ لأن نفقتها واجب عليه، والتحليل غير جيد.
صفحہ 16
وأما دفع الزوجة إلى زوجها الفقير فجائز عندنا, والشافعي، وأبي يوسف ,ومحمد, لعموم الأدلة، ولأنه أذن لامرأة عبد الله بن مسعود أن تدفع زكاتها إلى زوجها، ومنع ذلك أبو حنيفة وقال: الزوجية رحامة، والجواز تقضي به عموم الأدلة.
وأما الكافر والفاسق فمخصوصان من دخولهما في الجواز من حيث عموم الفقراء.
أما الكافر فخارج من العموم بالإجماع وبقوله : ((أمرت أن أخذها من أغنياءكم وأردها في فقرائكم)) وهذا خطاب للمسلمين.
وعن ابن علية: يجوز في فقراء أهل الذمة.
وعن العنبري: في أي : كافر.
أما صدقة الفطرة فقد جوزها أبو حنيفة لفقراء أهل الذمة.
وأما الفاسق الفقير: فإن كان ينفق ذلك في المعاصي، ويستعين به على قطع الطريق لم يجز، وقد ذكر قاضي القضاة، وأبو رشيد أن من أودع غيره شيئا وعرف المودع:
أنه إن رده إليه أنفقه في المعاصي لم يرده إليه، فأولى هنا، ولعل هذا إجماع، وإن جرى في كلام الشفاء ما يوهم بالجواز ؛ لأنه علل ذلك بالتمكين، وهو جائز، كما مكن الله العاصي بالقدرة،
وإن كان لا ينفقه في المعاصي فمذهب الهادي والقاسم، والناصر، والمنصور بالله، ومروي عن زيد بن علي أنه لا يجوز كالكافر بعلة أنهما من أهل النار، وعند المؤيد بالله ,وأبي حنيفة والشافعي وعامة الفقهاء الجواز لدخوله في عموم الآية، وصححه الأمير الحسين في قوله : ((أمرت أن آخذ من أغنياءكم وأردها إلى فقرائكم)) وهذا خطاب للمؤمن والفاسق، بدليل أنها تؤخذ من الفاسق، وكذلك ترد إليه.
وأما الهاشمي: فخارج من العموم في الإباحة إلى التحريم بوجهين:
الأول: إجماع الأمة حكى الإجماع أبوطالب, والحاكم، والأمير الحسين، لكن قد ورد عن أبي حنيفة رواية شاذة، وعن مالك قول في الجواز، ولم يعد الشاذ مخلا بالإجماع.
صفحہ 17
وقد قال في الانتصار: هذه الرواية لا يعول عليها لما فيها من مخالفة الإجماع، ولعله أراد صدقة النفل ؛ لأن قدره أعلى من مخالفة الإجماع، وكلامه يقتضي أن التحريم قطعي، وأن المسألة ليست اجتهادية.
وعن الاصطخري: إذا منعوا حقهم من الخمس حلت لهم.
قال في المهذب: المذهب خلاف ذلك؛ لأن التحريم للنسب.
الوجه الثاني: أن العموم يخص بخبر الآحاد، فكيف وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله بتحريمهما على آله ! ولقد سمعت من يقول أن ذلك معلوم بالاضطرار.
وروى إمام المذهب الناطق بالحق يحيى بن الحسين بالإسناد إلى الحسن بن علي -عليه السلام- أنه قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في فأخرجها رسول الله فألقاها في التمر فقال رجل: يا رسول الله ما كان عليك في هذه التمرة لهذا الصبي؟ فقال: ((إنا أهل محمد لا تحل لنا الصدقة)).
وفي حديث أبي رافع مولى النبي وقد طلب بأن يوليه شيئا من الصدقة فقال : ((لا تحل الصدقة لآل محمد، ومولى القوم منهم)).
وروى البخاري في صحيحه بالإسناد إلى أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي : ((كخ كخ)) لتطرحها فطرحتها، ثم قال: ((أما سمعت أنا لا نأكل الصدقة)).
وروى أبو عيسى الترمذي في صحيحه عن أحد عشر من أصحاب رسول الله أن أبا رافع لما سأل النبي عن ذلك فقال : ((إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم)).
وروى أبو داود في سننه أنه قال لأبي رافع: مولى القوم من أنفسهم، وأنا لا تحل لنا الصدقة.
وروى أبو داود أنه كان يمر بالتمرة العابرة فما يمنع من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة.
وفي حديث رواه أبو داود أنه وجد تمرة فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)).
إن قيل: هل لقائل أن يقول: حرمت عليهم لأجل التهمة، وإذا كان كذلك فقد زالت التهمة بعد موته ؟
قلنا: هذا قول مائل عن الحق لوجوه:
صفحہ 18
الأول: أن العلة لا يقدم عليها إلا بدليل، ولم يرد دليل على ما ذكرت.
الثاني: أن العلة لو كانت ما ذكر لبينه لئلا يطلق ما فيه تلبيس وتعمية .
الثالث: أنه قد أشار أن العلة تشريفهم؛ لأن في الحديث: ((إني كرهت لهم غسالة أوساخ الناس)).
الرابع: أن هذا مخالف لجماهير الأمة فإنهم قضوا بالتحريم ومخالفة لما تظاهرت به الأخبار من غير دليل.
فإن قيل: هل التحريم على عمومه أو التحريم يقع بسبب الفقر فقط ؟
قلنا: الظاهر أنه على عمومه، فلا يحل للهاشمي بأي الأسباب الثمانية، لعدم المخصص، وقد أشار أهل المذهب إلى ذلك في موضعين:
الأول: قولهم صنف لا تحل لهم الصدقة بحال وهم بنو هاشم.
والثاني: أنه قال في الشرح حجة على من جوزها لهم بالعمالة , ولأنها قد حرمت عليهم بسائر الأسباب، فوجب أن تحرم عليهم بالعمالة.
وقال الناصر ورواية عن أبي حنيفة ومحمد: يجوز أن يعطى على عمالته منها.
حجتنا: ما ورد من الأخبار أنه منع أبا رافع، وقد سأله أن يولى شيئا من الصدقات، وقال: ((لا تحل الصدقة لآل محمد، ومولى القوم منهم)) وكان عتيقا للنبي .
وروي أن فتية من بني هاشم سألوا النبي أن يوليهم شيئا من الصدقات ليصيبوا منها ما يصيب الناس، ويؤدوا ما يؤدي الناس، فامتنع وقال: (( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ )) وأيضا فالتحريم لم يفصل، حجة الناصر...... (1)
وقد أفاد العموم أنه لا يتألف الهاشمي منها.
وعن الإمام يحيى بن حمزة، والإمام علي بن محمد جوازه، ولهذه الجملة توابع:
منها: في زكاة بني هاشم بعضهم لبعض، فظاهر كلام أهل المذهب أن التحريم عام لعموم النهي.
وفي الشفاء عن ابني الهادي، وأبي العباس ,وزيد بن علي، والقاسم بن علي : جواز ذلك.
وقال أحمد بن يحيى: الجواز هو الذي سمعناه عن آبائنا، وهذا قول الإمامية وعلل ذلك بأن التحريم هو لتشريفهم عن منة الغير.
صفحہ 19
ومنها :في تحريم الصدقة عن مواليهم وموالي مواليهم، فظاهر المذهب التحريم، لحديث أبي رافع.
وعن الحقيني وأحد قولي أبي طالب: الجواز وهو قول مالك ، ومن جوز من بعضهم لبعض جوز من الموالي للموالي، ومن آل الرسول لمواليهم, لا من الموالي لآل الرسول.
أما إذا قلنا تجب الزكاة في غلات الأوقاف والمساجد فهل يجوز صرفها في بني هاشم على قول زيد بن علي، وابني الهادي، وأبي العباس ؛ لأنه لا منة لمخلوق عليهم: فهذا محتمل للجواز.
ومنها: إذا صارت الصدقة إلى الإمام وحكمنا ببراءة صاحبها فليس للهاشمي أخذها بلا لبس وله شراؤها كما يشتريها الغني، والقرض للخشية عليها كالبيع.
ومنها إذا قبضها الفقير مضمرا لردها إلى الهاشمي هل يسوغ ذلك أم لا؟
قلنا: هذا على وجهين:
الأول: لا تردد فيه، وهو حيث لا مواطأة من الصارف.
والثاني: فيه كلام يطول وهو حكم الذرائع والحيل، وقد صرم المنصور بالله بالتحريم ذكر ذلك في المهذب.وقد يضاف الجواز إلى عدة من السادة المتأخرين أخذا من فعلهم، وهذا لا يكون دليلا شرعيا، والحق أن يقال: أقل الأحوال أن تكون شبهة، والأكثر على التحريم، ولهذه الجملة تكملة وهي بيان الآل الذين تحرم عليهم الصدقة، وفي ذلك مذاهب:
الأول: مذهب الأئمة وأبي حنيفة أنهم بنو هاشم، ولا يدخل بنو المطلب ولا بنو عبد شمس، والوجه أن الأصل الجواز إلا لمخصص، فحصل الإجماع على بني هاشم، وبقي من عداهم على أصل الإباحة .
وقال الشافعي: بنو المطلب كبني هاشم لقوله : ((أنا وبنو عبد المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام)) وأعطاهم من الخمس.
وقال في جامع الأمهات لمالك: بنو هاشم آل لا ما فوق غالب [ إلا ما فوق غالب ]، وفيما بينهما قولان هذا ما يتعلق بالصنف الأول وهم الفقراء.
وأما الصنف الثاني وهم المساكين:
ففي ذك فصلان:
الأول: في ماهية المسكين.
الثاني: فيما يفيده اللفظ من العموم وما يخرج من عمومه.
أما الأول ففي ذلك أقوال:
صفحہ 20