تین مرد اور ایک عورت
ثلاثة رجال وامرأة
اصناف
وتنهد ممثل الثقافة والحضارة في القرن العشرين، وغاب، أما الجد الأعلى فكان يهز رأسه مسرورا، ويحيي محمودا بالفأس.
3
ودارت الحياة بعد ذلك دورتها المألوفة؛ بضعة أيام وأفضى محمود إلى أهله بخطبته، فأما أمه فسرها أن ابنها يوشك أن يكون زوجا ورب أسرة، وإن كان قد أقلقها غنى الفتاة، وتحسرت على ما كان لبعلها من مال ضيعه، وكانت قبل ذلك قانعة راضية قريرة العين، لا تأسف على ما فات، ولا تتبرم بحاضر، ولا يعنيها إلا أن ابنها أتم تحصيله وأنه سيكون موظفا ويعيش في دعة وخفض، ويرتقي، ثم يرتقي، ويفخر بالمال والسعة والأهل، وإذا به ينبئها أنه خطب فتاة ذات ضياع عظيمة، قبل أن ينال الوظيفة المشتهاة ويضع قدمه على أولى درجات السلم الذهبي، وإنه لجدير بالسعادة وأهل لكل خير، وقد يكون صحيحا ما خبرها به من أن الفتاة تحبه. المحقق أن هذا هو الصحيح، وإلا لما اختارته وآثرته على عشرات من الشبان كلهم أحسن منه حالا، غير أنها مع ذلك خشيت أن يصغر أهله في عيون أهلها إذا لم يصغروا في عين الفتاة؛ من جراء هذا التفاوت في الرزق.
وأما أبوه فلم يسره أن فتاه ذهب فأحب فخطب من غير أن يشاوره، وصحيح أنه لم يكن يملك أن يرجئ الحب حتى يسأله، ولكنه كان خليقا أن يدرك أن له أبا يراجع في مثل هذه الشئون الكبيرة، وألا يغيب عنه أنه ما زال مكفيا - ولا يقول عاطلا - لا مال له يعيش منه، أفلا انتظر حتى تسلم الوظيفة ثم فكر في اختيار الزوجة؟ وما سر جعل فتاة واسعة الثراء تؤثر فتى لا عمل له ولا مال وليس ينقصها المعجبون ولا الطامعون؟ ولو أن أرض الرجل كانت قد بقيت له لما عبأ شيئا بضياع الفتاة، ولا اكترث لما بين الثروتين من التفاوت؛ فإن شيئا ولو قليلا خير من لا شيء، والعبرة بالاستغناء، وبأن المرء يحور إلى شيء فيه كفاية وعليه اعتماد، وبهذا يسعه أن يحتفظ بكرامته ويكفل الاحترام لنفسه، فيواجه الفتاة وهو ثابت على قدميه، ويقول لها بلسان الحال: إني لا أبالي كثرة مالك وإرباءه على مالي؛ فإن ما جاوز مقدار الحاجة - حتى مع التوسع - زيادة لا انتفاع بها، وبحسبي ما عندي؛ فنحن كفؤان في ذلك النصيب من المال الذي إليه الحاجة وبه يطيب العيش، ولو كان لك فوق ذلك مال قارون لما فضلتني به.
أما الآن ...
وهز الرجل رأسه آسفا متحسرا منكرا على ابنه أن يزج به بغتة في هذا المأزق الحرج.
ولم يعجبه مما قصه عليه محمود وهو يضحك، ما توهمه ائتمارا به من سميرة وأمها، أوهكذا تصنع البنات الطيبات، وأمهاتهن الصالحات؟!
أفلو كانت لنا بنت كسميرة أكانت أم محمود تطاوعها هذه المطاوعة، وتملي لها هذا الإملاء، وترخي لها الحبل على هذا النحو، وتشجعها على التحبب إلى الفتى الذي عليه العين، وتزيد فتدعو إليها ناظر الزراعة أو الضيعة وتأمره أن يمثل دور الخطيب المنافس لمحمود، وتتركهما معا؟ ومن يدري؟! ألا يمكن أن يكون هذا الناظر قد قبلها وعانقها نزولا على مقتضيات التمثيل وما يتطلبه إتقان الدور؟! ألا يمكن أن ينقلب التمثيل حقيقة، والهزل جدا؟! سبحان الله العظيم! وأي فتاة تكون هذه التي تأمر الرجل أن يقبلها؟! بل التي تجيء بموظف من عندها وخادم لها وتقول له: هذا فمي فقبله، وهذا صدري ضمه إلى صدرك، وأحطني بذراعيك وشد على خصري؟! أعوذ بالله! وأي أدب هذا الذي أدبتها أمها؟! وبأي عقل تسمح بهذه المهزلة التي لا يبعد ولا يستغرب أن تنقلب فاجعة؟!
ولكن أبا محمود لم يصارح محمودا بما ساوره من الهواجس، وحاك في صدره من الشكوك، ودار في نفسه من بواعث القلق، واكتفى بأن يعاتبه ويلومه في رفق على هذه المباغتة، وينصح له بالتريث والأناة زمنا كافيا حتى يفوز بوظيفة من جهة، ويدرس أخلاق الفتاة وسيرتها درسا أوفى من جهة أخرى، ثم دعا له بخير.
ولكن الشباب هو الشباب، فلم يتريث محمود ولم يتأن، ولسنا نعني أنه عقد العقد، وإنما نعني أنه صار لا يفارق سميرة في ليل أو نهار أو في معظمهما، وكان لا بد أن تتعارف الأسرتان، وتتزاوران؛ فأما أسرة سميرة فرحبت بالأمر، ولم يخطر لها أن غناها مبعث قلق لأسرة محمود، فلعل الذي حبب محمودا إليها أنه كان بادي الزهادة في مالها، قليل الاحتفال به، وأما أسرة محمود فاضطربت للقاء الأول والزيارة الأولى.
نامعلوم صفحہ