لذلك لا نبحث عن الله في العالم، في هذا السكوت الدائم للفضاء اللامتناهي، بل في النفس.
الدرس الثالث
في هذا الدرس الثالث والأخير سأتحدث إليكم في الميتافيزيقا عند ديكارت وفي مهمته، وسأضطر لمعالجة بعض المسائل التي مررت بها مرا سريعا.
أبطأ ديكارت في العناية بالميتافيزيقا، فهو يقول: «وانقضت تسع سنين قبل أن أتخذ لي موقفا من المسائل العسيرة التي يخوض فيها أهل العلم وأن أحاول تأسيس فلسفة أوكد من الفلسفة الشائعة.»
إن فكر ديكارت يتمشى على النظام الموروث بعد المنطق العلم الطبيعي، وبعد العلم الطبيعي الميتافيزيقا، وهذه ترضي حاجتين عنده: «الحاجة لليقين الديني والحاجة لليقين العلمي.»
أما الحاجة لليقين الديني فقد أجملت لكم في نهاية الدرس السابق الصورة الموئسة للعالم الديكارتي، عالم آلي بحت، مركب من امتداد وحركة فحسب، ليس فيه مكان للإنسان ولا لله.
وديكارت رجل متدين تدينا عميقا مخلصا، أجل إنه متدين على طريقته الخاصة، ولكن من يدري؟ لعله خير الطرق؟ إن لدينا منه نصوصا غاية في الغرابة. هاكم مثلا نصا من مذكراته يرجع إلى عهد الشباب إلى عهد المدفأة:
ثلاث عجائب أبدعها الله: الخلق من عدم، والإنسان الإله (المسيح)، والحرية.
وقد نستطيع أن نعلق طويلا على هذا النص، على الاختيار الغريب لما أبدع الله من أمور عجيبة، قد نستطيع أن نلاحظ أن هذه العجائب الثلاث أي الأمور الثلاثة المعارضة للعقل، أو بتعبير أدق الفائقة للعقل تشترك في شيء هو تلاقي اللامتناهي والمتناهي، فالخلق يعبر المسافة اللامتناهية الفاصلة بين العدم والوجود، والتجسد يجمع بين اللانهاية الإلهية والنهاية الإنسانية، وأخيرا الحرية؛ فهي نوع من تحقيق اللامتناهي في المتناهي.
وهاكم نصا يرجع إلى عهد الكهولة، كتب ديكارت في 15 سبتمبر سنة 1645 إلى الأميرة إليصابات تلميذته - ولعلها موضوع الحب الأكبر في حياته - قال:
نامعلوم صفحہ