Terminology of the Maliki Doctrine
اصطلاح المذهب عند المالكية
ناشر
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث الإمارات العربية المتحدة
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
پبلشر کا مقام
دبي
اصناف
اصطلاح المذهب
عند المالكية
د/ محمد إبراهيم علي
أستاذ الفقه والفقه المقارن (سابقًا)
بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث
الإمارات العربية المتحدة - دبي
هاتف ٣٤٥٦٨٠٨ - فاكس: ٣٤٥٣٢٩٩ - ص ب: ٢٥١٧١
1 / 2
اصطلاح المذهب
عند المالكية
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية
نستفتح بالذي هو خير، حمدًا لله، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فنقدم إلى القراء الكرام، في سلسلة "الدراسات الأصولية" هذا البحث القيم الذي تناول مراحل نشأة مذهب الإمام مالك بن أنس ﵀ وتطوره ثم أخيرًا مرحلة استقراره، والجهود العظيمة التي بذلها علماء هذا المذهب على مختلف العصور من عهد تأسيسه ووضع أصوله وقواعده من قبل مؤسسه إلى وقتنا الحاضر.
وهذا البحث ليس مجرد تاريخ وتدوين لحركة مذهب من المذاهب الفقهية في فترة من فترات التاريخ، بل هو دليل مادي على ما قام به علماء الأمة من جهود لبسط مبادئ الشريعة، وفهم أحكامها لحل القضايا والمشكلات التي حدثت في عهودهم. وكان كل مجتهد منهم يمثل مدرسة في صقعه.
ولم يقتصر دورهم على طرح الحلول للقضايا المعاصرة لهم، بل كانوا يستشرفون أزمنة غير زمانهم، فيتصورون ما قد يحدث من قضايا، ثم يعالجونها بروح العصر الذي تحدث فيه.
وهذا التقديم مقرون بالشكر والعرفان لأسرة "آل مكتوم" حفظها الله، التي ترعى العلم، وتشيّد نهضته، وتحيي تراثه، وتؤازر قضايا العروبة والإسلام، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ مكتوب بن راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي الذي أنشأ هذه الدار لتكون منار خير، ومنبر حق على درب العلم والمعرفة، تجدد ما اندثر من تراث هذه الأمة، وتبرز محاسن الإسلام، فيما سطره الأوائل وفيما يمتد من ثماره، مما تجود به القرائح، في شتى مجالات
1 / 5
البحوث الإسلامية، والدراسات الجادة، التي تعالج قضايا العصر، وتؤصل أسس المعرفة، على مفاهيم الإسلامي السمحة عقيدة وشريعة، وآدابًا وأخلاقًا، ومناهج حياة، مستلهمة الأدب القرآني، في الدعوى إلى الله على بصيرة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وكذلك مؤازرة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المالية والصناعة، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع.
سائلين الله العون والسداد، والهداية والتوفيق.
ولا يفوت الدار أن تشكر من أسهم في خدمة هذا العمل العلمي، من العاملين بالدار:
١ - مساعد باحث: الشيخ/ سيد أحمد سيد جمال نورائي الذي شارك في تصحيح تجارب الطبع والتدقيق على الجوانب الفنية للصف.
٢ - مساعد باحث: الشيخ/ صفاء الدين عبد الرحمن توفيق الذي قام بتصحيح تجارب الطبع والتدقيق على الجوانب الفنية للصف.
٣ - فني الكمبيوتر: السيد/ إيهاب حسني عكيلة، الذي شارك بالتنضيد والإخراج الفني للكتاب.
ونرجو من الله ﷾ أن يعين على السير في هذا الدرب، وأن يتواصل هذا العطاء من حسن إلى حسن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..،
* * *
دار البحوث
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، والصلاة والسلام على المعلم الأول الذي جاء بشرع الله بشيرًا ونذيرًا وعلى آله وصحبه وسلم.
علم الخلاف، أو اختلاف العلماء، قديم تضرب جذوره في القرن الأول الهجري، حين كانت حلقات العلم في المساجد تزخر بالمناقشات العلمية الفقهية للآراء المختلفة.
"هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية، كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافًا لابد من وقوعه ...، واتسع ذلك في الملة اتساعًا عظيمًا" (١).
كان المجتهدون من علماء الأمة يناقشون الأوجه المتعددة للقضية، قصدهم من ذلك الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح المبني على المصادر التشريعية من: كتاب، وسنة، وقياس.
"اجتمع الأوزاعي بأبي حنيفة بمكة، فقال الأوزاعي: ما لكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه؟ فقال أبو حنيفة: لم يصح عن رسول الله في صلك شيء. فقال الأوزاعي: كيف وقد حدثني
_________
(١) ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون (ص ٢٤٨).
1 / 7
الزهري، عن سالم، عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع منه، فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود ﵁، أن رسول الله ﷺ كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود لشيء من ذلك؟ فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد، عن إبراهيم؟ ! فقال له أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر، إن كان لابن عمر صحبة، أو له فضل صحبة، فالأسود له فضل كثير، وعبد الله هو عبد الله. فكست الأوزاعي" (١)، مناقشة هادئة هادفة بين إمامين، للوصول إلى الحق، واحترام كل لرأي الآخر، ودليله.
أما الإمام محمد بن حسن الشيباني فيؤلف كتابه: "الحجة على أهل المدينة"، يناقش فيه آراء المالكية مؤيدًا مذهب شيخه الإمام أبي حنيفة، ولا يتردد في ترجيح رأي الإمام مالك إذا تبين له - بعد المناقشة - صحة دليله، وقوته.
في مسألة إمامة المصلي جالسًا يقول: "قول أهل المدينة في هذا
_________
(١) الثعالبي، محمد بن الحسن الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (١/ ٣٢٠ - ٣٢١).
1 / 8
أحب إليّ من قول أبي حنيفة، وإن كنت احتججت لأبي حنيفة بحجة ثابتة لم تر أهل المدينة بمخرج منها، لكن بلغنا عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يَؤُمَّنَّ الناس أحدٌ بعدي جالسًا" ... فأخذنا بهذا لأنه أوثق، وليس الصلاة في فضلها خلف رسول الله ﷺ كالصلاة خلف غيره" (١).
"كتاب الأم، وإن كان يمثل فقه الشافعي بخاصة، واجتهاده الجديد بعامة، فإنه مدونة في علم الخلاف (الفقه المقارن) ...
وهو في كافة مسائل الخلاف ملتزم بموضوعية البحث، يحاول إقناع المخالف بما يتوافر لديه من نصوص الكتاب، والسنة، والمعقول، فينقض أدلته تارة، ويصحح مذهبه أخرى، ويلزمه بمبادئه، وقواعده التي يسلم بها، ويتنزل معه تارة في سبيل إقناعه، كل هذا في حوار هادئ، ومناقشة علمية رصينة.
يكاد (باب الخلاف) في كتاب الأم، يكون من العناوين الثابتة ... لا استخرجت هذه الأبواب من كتاب الأم لكان كتابًا مستقلًا مهمًا في الفقه المقارن، بكل أصوله، ومعاييره، يقدم
_________
(١) الشيباني، محمد بن الحسن، الحجة على أهل المدينة، (طبع بمطبعة المعارف الشرقية، حيدر آباد الدكن، ١٣٨٥ هـ تصوير عالم الكتب، بيروت) (١/ ١٢٨ - ١٢٩).
1 / 9
للباحثين أنموذجًا رفيعًا في هذا الفن من فنون الفقه عرضًا، وتقريرًا، وحوارًا، استدلالًا" (١).
وإذا قدم لنا الإمام الشافعي أنموذجًا مثالثًا لعلم الخلاف، (الفقه المقارن)، بحثًا، وتطبيقًا، فقد قدم الإمام أبو حنيفة أنموذجًا آخر لهذا العلم، ولكنه في مجال تدريس الطلاب وتمرينهم لتكوين ملكاتهم في هذا الفن.
"وطريقة أبي حنيفة في تفقيه أصحابه أنه كان عند مدارسته المسائل مع أصحابه يذكر احتمالًا في المسألة، فيؤيده بكل ما له من حول، وطول، ثم يسائل أصحابه أعندهم ما يعارضونه به؟ فإذا وجدهم مشوا على التسليم، بدأ هو بنفسه ينقض ما قاله أولًا، بحيث يقتنع السامعون بصواب رأيه الثاني، فيسألهم عن ما عندهم في الرأي الجديد، فإذا رأى أنه لا شيء عندهم أخذ يصور وجهًا ثالثًا، فيصرف الجميع إلى هذا الرأي الثالث، وفي آخر الأمر يحكم لأحدها بأنه هو الصواب بأدلة ناهضة" (٢).
_________
(١) أبو سليمان، عبد الوهاب، منهجية الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الطبعة الأولى (مكة المكرمة، الدار المكية عام ١٤٢٠ هـ) (ص ٧٠ - ٧١).
(٢) الكوثري، محمد زاهد، حسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي (مطبعة الأندلس، حمص ١٣٩٨ هـ) (ص ١٥).
1 / 10
هذا هو منهج الأئمة المجتهدين في علم الخلاف بحثًا، وتطبيقًا، ومدارسة، وتعليمًا.
"ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار، وكانوا بمكان من حسن الظن بهم، اقتصر الناس على تقليدهم، ومنعوا من تقليد سواهم؛ لذهاب الاجتهاد؛ لصعوبته، وتشعب العلوم التي هي مواده باتصال الزمان، وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة" (١).
أصبحت المناقشات بين أتباع هذه المذاهب، كل يؤيد مذهب إمامه، ويدافع عنه بالأدلة والبرهان، متمسكًا في ذلك بأصول مذهبه، معتمدًا الراجح من أقواله، ولا يتجاوزه إلى رأي مذهب آخر، واضعًا نصب عينيه أن لا ينسب إلى مذهب قولًا إلا إذا كان قد اعتمده، ورجحه علماء ذلك المذهب، وذكر في كتاب معتمد، موثوق به شأنه في ذلك شأن المفتي: "لا يجوز لمن كانت فتياه نقلًا لمذهب إمامه، إذا اعتمد في نقله على الكتب أن يعتمد إلا على كتاب موثوق بصحته" (٢).
_________
(١) مقدمة ابن خلدون (ص ٢٤٨).
(٢) ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، أدب المفتي والمستفتي (مع فتاوى ومسائل ابن الصلاح، الطبعة الأولى، دار المعرفة، سنة ١٤٠٦ هـ) (ص ٥٢).
1 / 11
قويت الدعوة في العصر الحديث إلى تجديد الفقه الإسلامي، تجديدًا مؤسسًا على فتح باب الاجتهاد، استنباطًا لرأي جديد، أو ترجيحًا لقول مذهب من المذاهب، أو عالم من العلماء.
لا شك أن هذا الاتجاه إحياء لعلم الخلاف، وعودة إلى ازدهار الفقه المقارن واعتماده، ليكون المسلك الأساس للدراسات الفقهية، يعود فيها الباحث إلى كتب المذاهب، يستطلع آراء كل مذهب، وما يعتمده ناظرًا في أدلته، ومنهج استدلاله، مرجحًا ما قوي دليله من الآراء، مذهبية كانت أم فردية.
كان التلقي المباشر من العلماء المحققين هو النبع الأساسي لمعرفة المعتمد من الآراء في مذهب ما، أما وقد اختفى التلقي - أو كاد - وأصبح الاعتماد الكلي في ذلك على الكتب، وفي خضم المؤلفات الفقهية المذهبية، واختلاف تقويمها: مؤلفًا، وتأليفًا، يجد المتصدي لمقارنة المذاهب، باحثًا كان، أو معلمًا، الكثير من الصعوبات في معرفة القول الراجح المعتمد مذهبًا في المدارس الفقهية المختلفة، فالوصول إلى معرفة الكتب المتضمنة للآراء المعتمدة مشكلة يواجهها الكثير من الباحثين في مقارنة المذاهب.
أحسست بهذه المشكلة دارسًا، وباحثًا، ومدرسًا، مما دفعني إلى القيام بمحاولة متواضعة للتعرف على الكتب المتضمنة للآراء
1 / 12
الفقهية المعتمدة مذهبًا في ثلاثة من المذاهب السنية، معتمدًا في ذلك على آراء العلماء المشهورين، وتقويمهم للكتب المذهبية، ومدى اعتماد ما تضمنته من آراء وترجيحات.
رغبة في أن يستفيد الدارسون والباحثون في مقارنة المذاهب، دونت ما وفقت إليه من بحوث كان باكورتها "المذهب عند الشافعية" (١)، أعقبه "المذهب عند الحنفية" (٢).
الكتاب الذي بين يدي القارئ "اصطلاح المذهب عند المالكية" هو ثالث البحوث، آخرها صدورًا، وأولها محاولة وتفكيرًا، ولعله آخر المطاف، استغرق إنجازه وقتًا طويلًا لعوامل مختلفة أهمها وأكثرها تأثيرًا: طبيعة البحث: مادةً، ومراجعًا، وتحليلًا.
" ... ليس هذا البحث - كما نرى - مجرد تاريخ وتدوين لحركة مذهب من المذاهب الفقهية في فترة من فترات التاريخ، بل هو دليل مادي على ما قام به بعض علماء الأمة من جهود لبسط مبادئ الشريعة، وفهم أحكامها لحل القضايا والمشكلات التي
_________
(١) نشر في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، العدد الثاني، جمادى الثانية ١٣٩٨ هـ/ مايو ١٩٧٨ م.
(٢) نشره مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة، ضمن الكتاب السادس والعشرين، تحت عنوان: "دراسات في الفقه الإسلامي".
1 / 13
حدثت في عهودهم، فكان كل مجتهد منهم يمثل مدرسة جامعة: في الأندلس، وفي المغرب العربي، وفي عدد من أصقاع الأمة، ولم يقتصر دورهم على طرح الحلول للقضايا المعاصرة لهم، بل كانوا يستشرفون أزمنة غير زمانهم، فيتصورون ما قد يحدث من قضايا، ثم يعالجونها بروح العصر الذي تحدث فيه.
ورغم ما حدث في الأندلس من حوادث، ورغم ما تعرضت له بلاد المغرب العربي في السنين الغابرة من غزو وأزمات، فقد بقيت "ظلال" هذه المدارس بمثابة القلاع المنيعة ضد تلك الأزمات، فكان موطأ الإمام مالك، ومؤلات فقهاء المذهب المالكي أركان هذه القلاع" (١).
اقتضى منهج هذا البحث "اصطلاح المذهب عند المالكية" تقسيمه إلى أقسام ثلاثة، يمثل كل قسم دورًا من الأدوار التي مر بها اصطلاح المذهب، وكل دور يتميز بخصائصه العلمية؛ آراءً وتأليفًا؛ هذه الأقسام هي:
١ - دور النشوء: مرحلة تأسيس المذهب ووضع أصوله وقواعده من قبل مؤسسه، ثم تلاميذه الذين تابعوا السير قدمًا على خطوات
_________
(١) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، رسالة من هيرة المجلة، العدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، (محرم، صفر، ربيع الأول ١٤١٥ هـ) (ص ٤ - ٥).
1 / 14
شيخهم إمام المذهب الإمام مالك بن أنس.
٢ - دور التطور: على يد علماء نبغوا في تمحيص وتنقيح الروايات، والأقوال التي ورثوها عن من سبقهم من العلماء.
٣ - دور الاستقرار: فيه استقر المذهب استقرارًا استمر إلى العصر الحاضر، ولا يعني هذا الاستقرار ركودًا في آراء علمائه وتخريجاتهم، بل ظلت آراء المذهب موضوع دراسة وتمحيط لا يخرج عن نطاق ما قدمه علماء دور التطور إلا بقدر ما يقتضيه العرف والعمل، ومقتضيات تغير الزمن، وما يستجد من قضايا.
أدين بالشكر لمجلة البحوث الفقهية المعاصرة لاهتمامها بنشر هذا البحث بأجزائه (أدواره) الثلاثة في أعداد متفرقة (١)، وإذ أقدمها للقارئ مجموعة في كتاب، يهمني التنبيه على ما يأتي:
١ - ألحقت بكل (دور) من أدوار البحث قائمة بالمصادر الخاصة به، وأكتفي بذكر المصادر المشتركة بين أكثر من (دور) في قائمة مصادر الدور الذي ذكرت فيه لأول مرة فقط.
_________
(١) نشرت حلقات في الأعداد التالية:
١ - دور النشوء: العدد الخامس عشر، السنة الرابعة ١٤١٣ هـ.
٢ - دور التطور: العدد الثاني والعشرون، السنة السادسة ١٤١٥ هـ.
٣ - دور الاستقرار: العدد الواحد والأربعون، السنة الحادية عشرة ١٤١٩ هـ.
1 / 15
٢ - وضعت منظومة (الطليحة) للنابغة القلاوي ملحقًا للكتاب؛ نظرًا لأهميتها، حيث تجمع في أبياتها أكثر الكتب المعتمدة وغير المعتمدة في المذهب المالكي، آملًا أن تتوفر الظروف المناسبة لنشر كتاب "نور البصر" للهلالي"، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه صاحب الطليحة.
حق واجب عليّ أن أسطر هنا بيد الشكر والعرفان بالفضل والجميل لكل أولئك الذين قدموا إليّ يد المساعدة والتشجيع، وأخص بالذكر الأخ والزميل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة أم القرى، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، الذي ضحى بالكثير من وقته وجهده في مراجعة هذا البحث والسفر معي طلبًا لمادته العلمية.
كما أذكر بالثناء والشكر فضيلة العلامة الدكتور عبد الحي العمروي، خليفة رئيس فرع رابطة العلماء (بفاس)، ومفتش اللغة العربية بوزارة التربية الوطنية - المغرب، الذي تفضل علي بإهدائي مصورة من كتاب نور البصر، عز عليّ الحصول عليها، فكانت خير مساعدة يهديها إليّ.
ولا يمكن أن أنسى معالي الدكتور عبد الرحمن النفيسة، رئيس تحرير مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، فقد أخجلني بما أبداه من
1 / 16
اهتمام بهذه البحوث، اهتمامًا كان خير معين على السير قدمًا.
وختامًا: الشكر لسعادة الأستاذ الدكتور أحمد محمد نور سيف، المدير العام لدار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث (بدبي) إذ تبنى طبع الكتاب حرصًا على انتفاع الدارسين والباحثين.
جزى الله الجميع عني أحسن الجزاء، وأثابهم خير الثواب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
محمد إبراهيم أحمد علي
مكة المكرمة - العزيزية
1 / 17
مقدمة
مذهب المالكية: مذهب أهل المدينة، و"مذهب أهل المدينة النبوية دار السنة، ودار الهجرة، ودار النصرة .... مذهبهم في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم، أصح مذهب أهل المدائن الإسلامية شرقًا وغربًا، في الأصول والفروع" (١).
ورث الإمام مالك بن أنس (ت. ١٧٩ هـ) (٢)، إمام دار الهجرة ومؤسس مدرسة المالكية، علم أهل المدينة "فلا ريب عند أحد أن مالكًا ﵁ أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية،
_________
(١) ابن تيمية، أحمد، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم (٢٠/ ٢٩٤).
(٢) الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي مؤسس المذهب المالكي، أحد الأئمة الأربعة المشهورين، إمام في الفقه، وإمام في الحديث، ترجم له الكثيرون وألفت كتب خاصة بمناقبه. انظر:
- ابن عبد البر، يوسف، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء.
- السيوطي، جلال الدين، تزيين الممالك بمناقب سيدنا الإمام مالك.
- الزواوي، عيسى بن مسعود، مناقب سيدنا الإمام مالك.
وممن ترجم له ترجمة مستفيضة:
السبتي، القاضي عياض، ترتيب المدارك، ج ١، ج ٢.
ابن فرحون، إبراهيم بن علي، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، (١/ ٥٥ - ١٣٩).
1 / 18
ورأيًا" (١)، ضربت إليه أكباد الإبل من مشارق الأرض بل ومن أقصى المغرب.
انتشر المذهب المالكي في أنحاء المعمورة؛ بل أصبح في حياة مؤسسه - المذهب الرسمي للدولة الإسلامية في الأندلس، "فقد أخذ هشام بن عبد الرحمن بن معاوية - أمير الأندلس (٢) حينئذ - جميع الناس بإلزامهم مذهب مالك، وصير القضاء والفتيا عليه، وذلك في عشرة السبعين ومائة من الهجرة في حياة مالك وقريب من موته" (٣)، وتلك سمة لم تتحقق لأن من المذاهب الإسلامية الأخرى كما هو معروف في التاريخ.
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٠/ ٣٢٠).
(٢) هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، الخليفة الأموي بالأندلس، تولى بعد أبيه عبد الرحمن الداخل (ت ١٨٠ هـ).
انظر: ابن الفرضي، أبو الوليد عبد الله، تاريخ علماء الأندلس (ص ٤)، الحميدي، محمد بن أبي نصر، جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (ص ١٠).
(٣) ترتيب المدارك (١/ ٢٧)، الونشريسي، أحمد بن يحيى، المعيار المعرب (٦/ ٣٥٦)؛ (١١/ ٣٧٩).
قال المقدسي "كان الإسبانيون لا يعرفون إلا القرآن والموطأ، فكانوا إذا وجدوا تابعًا من أتباع مذهب أبي حنيفة أو الشافعي طردوه من إسبانيا .... "، عرنوس، تاريخ القضاء في الإسلام (ص ٦١).
1 / 19
وفي أفريقيا وطد سحنون (١) مذهب مالك فكان لا يقضى إلا به، وفي مصر أثمرت جهود ابن القاسم (٢) ونظرائه في نشر المذهب، كما أينعت جهود تلاميذ مالك في العراق ...
_________
(١) اسمه عبد السلام بن سعيد، وسحنون لقبه، درس على كبار أصحاب مالك، من أمثال علي بن زياد، وابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وعبد الله بن الحكم، وابن الماجشون، ومطرف، وغيرهم، لم يلق مالكًا، كان ثقة حافظًا للعلم، لم يكن بين مالك وسحنون أفقه من سحنون، انتهت إليه الرئاسة في العلم بالمغرب، وعلى قوله المعول (ت. ٢٤٠ هـ).
انظر: أبو العرب، محمد بن أحمد بن تميم، طبقات علماء إفريقية وتونس (ص ١٨٤ - ١٨٧)؛ الشيرازي، أبو إسحاق، طبقات الفقهاء (ص ١٦٠)؛ المالكي أبو بكر، عبد الله بن محمد، رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية (١/ ٣٤٥ - ٣٧٥)؛ ترتيب المدارك (٤/ ٤٥ - ٨٨)؛ النباهي، أبو الحسن بن عبد الله، المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا (ص ٢٨ - ٣٠)؛ الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (٢/ ٣٠ - ٤٠).
(٢) ابن القاسم، عبد الرحمن بن القاسم العتقي، يكنى أبا عبد الله، توفي سنة (١٩١ هـ)، أحد أشهر أصحاب مالك بن أنس إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، ناشر مذهب مالك؛ وخاصة في مصر، أملى الأسدية (المدونة) فكانت "الكتاب" للمذهب شرقًا وغربًا، روايته للموطأ صحيحة، فقيه، جمع بني الزهد والعلم، هو أفقه الناس بمذهب مالك، له سماع من مالك عشرون كتابًا، وكتاب المسائل في بيوع الآجال.
انظر: الانتقاء (ص ٥٠ - ٥١)؛ طبقات الفقهاء (ص ١٥٥)؛ ترتيب المدارك (٣/ ٢٤٤ - ٢٦١)؛ الديباج المذهب (١/ ٤٦٥ - ٤٦٨).
1 / 20