المشهورين أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد شيخ سيبويه، وأبو الحسن سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه، وأبو الحسن علي بن سليمان صاحب ثعلب والمبرد، وأما محمد فناهيك به، وقد روى الخطيب بإسناده عنه قال: ترك أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفا على النحو والشعر، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه (ولو ادعى) على صفة المجهول (السليقة في الشافعي) أي مذاق العربية فيه ذوقا طبيعيا، وفي القاموس يتكلم بالسليقة: أي عن طبعه، لا عن تعلم (فالشيباني) يعني محمد بن الحسن منسوب إلى شيبان، وهي قبيلة من العرب، والخبر محذوف: أي مثله، وكذلك (مع تقدم زمانه) على زمان الشافعي ﵀، فإنه ولد سنة اثنين وثلاثين ومائة، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة، والشافعي ﵀ ولد سنة خمسين [و] مائة، وتوفي سنة أربع ومائتين، والمتقدم قد أدرك من صحة الألسنة ما لم يدركه المتأخر، ومن ثم استغنى الصدر الأول عن تدوين علم العربية. وعلى زمان أبي عبيد فإنه توفي سنة أربع وعشرين ومائتين عن سبع وستين أو ثلاث وسبعين، وأيضا رأي المتقدم أقرب إلى الصواب لقوله ﵊ "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم" الحديث، وروي أن كليهما ممن تتلمذ له، وأخذ عنه خصوصا الشافعي ﵀ حتى ذكر أصحابه وغيرهم عنه أنه قال حملت عن محمد بن الحسن وقري بختي كتبا، وأسند الخطيب البغدادي عنه قال ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن، وما رأيت أفصح منه: كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن نزل بلغته. وقال أبو إسحاق في الطبقات، وروى الربيع قال: كتب الشافعي ﵀ إلى محمد وقد طلب منه كتبا ينسخها فأخرها عنه:
قولوا لمن لم تر عين من رآه مثله * ومن كأن من رآه قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله * لعله يبذله لأهله لعله
وعن أبي عبيد "ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن" (أو العلم) معطوف على السليقة، يعني أو ادعى في الشافعي العلم البالغ إلى حد لم يبلغ إليه علم محمد بن الحسن (وصحة النقل) أي وادعى أنه صح عنه نقل ذلك (للأتباع) أي لكثرة الأتباع، وكونهم ثقات (فكذا) أي الشيباني مثله في العلم، وصحة النقل عنه لكثرة أصحابه، وكونهم ثقات، وبهذا تبين ضعف ما قيل من أن أبا يوسف ومحمدا لم يكونا مجتهدين على الإطلاق، بل من المجتهدين في المذهب. (فإن قيل) الدليل (المثبت) للحكم (أولى) بالقبول من الدليل النافي إياه عند التعارض، ودليل القائل بمفهوم الصفة مثبت للحكم فهو أولى بالقبول من الدليل النافي إياه عند التعارض، ودليل خصمه ينفيه، فإن القائل يقول يدل اللفظ عليه، وخصمه يقول لا يدل عليه: وذلك
1 / 104