فلنسألن الذين أرسل إليهم
[الأعراف: 6]، ويسال كل مكلف { ولا يزكيهم } يطهرهم من الذنوب، أو لا يمدحهم { ولهم عذاب أليم } فى الدنيا كالآخرة.
[2.175]
{ أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } فى الدنيا { والعذاب } فى الآخرة أو الدنيا، أو فيهما، وذكر الآخرة فى قوله: فما أصبرهم على النار { بالمغفرة } المعدة لهم، ولو آمنوا ولم يكتموا وعملوا الصالحات واتقوا { فما } تعجيبية أو استفهامية توبيخية { أصبرهم على النار } الأصل أن تكون المعصية شاقة على المعاصى، لعظمة حق الله وشدة العقاب، حتى إن الصبر عليها كالصبر على النار، فجاءت الآية على ذلك، تقول لمن تعرض لغضب السلطان، ما أصبرك على القيد والسجن، تقبح رأيه، بأنه لا يتعرض لغضبه إلا من له طاقة على القيد والسجن وأنت لا طاقة لك، وكانت رابعة العدوية ترى المعصية نارا، شبه مداومتهم على المعصية باعتبار مشقتها بحسب الأصل، ولو لم تشق عليهم، وباعتبار الصديقين بالصبر على النار، أو يقال كذلك، ما أصبرهم على موجبات النار، أو الصبر مطلق حبس النفس على الشىء ولو لم يشق عليها، أى ما أدومهم على موجبات النار، هى الكتم والكفر والاشتراء.
[2.176]
{ ذلك } أى أكل العار فى بطونهم، وعدم تكليم الله إياهم، وعدم تزكيته لهم، وثبوت العذاب الأليم والنار، أو ذلك العذاب المسبب على الكتم والاشتراء { بأن الله نزل الكتب } التوراة والإنجيل والقرآن { بالحق } فخالفوه، وآمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض، والذى آمنوا به كفروا ببعضه، أنكر اليهود والنصارى القرآن، واليهود والإنجيل، وبعض التوراة، والنصارى التوراة وبعض الإنجيل { وإن الذين اختلفوا } مشركو العرب { فى الكتب } القرآن، قال بعض هو شعر وبعض كهانة، وبعض سحر، وبعض كذب، وبعض علمه بشر، وبعض أساطير الأولين، وبعض كلام حنون، أو هو الكتاب الأول العام، والمختلفون والمشركون واليهود والنصارى، فإن المشركين أيضا كذبوا القرآن وآمنوا ببعضه، وكذبوا التوراة والإنجيل، وقد يؤمن بعضهم بهما أو ببعضهما، فاختلفوا بمعنى خالفوا أو تخلفوا عن الحق { لفي شقاق } خلاف { بعيد } عن الحق وكل فى جانب بعيد عن جانب الآخر.
[2.177]
{ ليس البر } الطاعة والإحسان { أن تولوا } فقط للصلاة وتصلوا، بل مع ذلك الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، وإيتاء المال على حبه، والإتيان بالصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد، والصبر فى البأساء والضراء وحين البأس، { وجوهكم } أيها المؤمنون، والتعريف للحصر، وأل للجنس أو للعهد، بمعنى ليس البر العظيم الذى أكثرتم الخوض فيه، وقيل الخطاب لهم ولأهل الكتاب { قبل المشرق } كما إذا كنتم غرب مكة { والمغرب } كما إذا كتم شرقها، وكما كنتم تصلون إلى المغرب قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فإن بيت المقدس غرب المدينة، فإن الشمس تغرب إليه فى أطول الصيف، وما يلى أطواله فذلك المغرب، وليس كما قيل إنه شمال المدينة، ولم يذكر الجهات الأخرى اكتفاء بذكر المشرق والمغرب على طريق التمثيل لا التقييد، لأن من اهل الجهات من يستقبل ما بينهما، وقدم المشرق مع أنه قبلة المتأخرين، وهم النصارى، لتقدم شروق الشمس على غروبها { ولكن البر } الإحسان الكامل، من آمن بالله، مبالغة كقولك زيد عدل، فهو خبر، ومن مبتدأ، أو بالعكس، وهو أشد مبالغة كمن قال: الصوم هو زيد، وأل للجنس أو العهد، أو لكن البار، والأصل البارر، نقلت كسرة الراء للياء، وحذفت الألف قصدا لكون الراء بسلب حركتها، وأدغمت فى الراء، ولا حذف مضارف فى ذلك، ولا تأويلا بالوصف، لكن فيه تكلف، أو هو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أو يبقى على مصدريته ويقدر مضاف فيه، أى ولكن والبر أو فى قوله { من ءامن } أى بر من آمن { بالله واليوم الأخر والملئكة والكتب } أى من الكتب كلها، كما قال صلى الله عليه وسلم
" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله "
، أو القرآن، لأنه الذى أنكره أهل الكتاب، وأنه المقصود بالدعوة، وأنه أكمل الكتب، والإيمان به يستلزم الإيمان بجميع الكتب، لأنه مصدق لما بين يديه، وقيل التوراة ولا قرينة له، وهى لا توجب الإيمان إلا بتوسط اشمالها على القرآن المستلزم لذلك { والنبيين } وهذا كله موجود فى المؤمنين قبل نزول الآية، فمحط الكلام قوله { وءاتى المال } الخ وما كان فيهم من بعض صفة فقد أمروا بتجويدها. أو الخطاب فى تولوا وجوهكم لليهود النصارى، رد على اليهود إذ قالوا البر استقبال المقدس، وعلى النصارى إذ قالوا البر استقبال مطلع الشمس، وأل فى البر للجنس، ولا حصر فى الآية { على حبه } مع حب صاحب المال، فالهاء لمن، والمفعول محذوف أى مع حبه المال، أو مع حب المال، فالهاء للمال، والفاعل محذوف، ومحبه مؤتيه أو الناس، وحبه لجودته أو لقلته ، أو على حبه على حب الله، فالهاء للمال، أو لصاحبه المؤتى، أو لله سبحانه، أو للإيتاء المفهوم من آتى، والتقييد بقوله على حبه للتكميل، وقال صلى الله عليه وسلم:
نامعلوم صفحہ