[البقرة: 114] إلخ، سواء فسرناه بالأمر بإبعاد المشركين عنها، أو بقضاء الله، لأنه أمر يرغب فيه، فلا إشكال، وأجازه أبو حنيفة مطلقا { لهم في الدنيا خزي } بالقتل والسبى فى بعض، والجزية فى البعض الآخر، وأصل الخزى ذل يستحيا منه، ولذلك يستعمل فى كل منها، والقتل والسبى ذل عظيم يستحى منه فى السبى دون القتل، إلا إنه يقال، يستحى منه المفتول قبل أن يقتل، وأصحابه وقرابته، قبلت النضير الجزية، وقتل بعض قريظة وسبى بعض { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } فى النار، لمنعهم مساجد الله وسعيهم فى خرابها، وكان صلى الله عليه وسلم يصلى النافلة على الدابة، أينما توجهت من مكة إلى المدينة، وفى غير ذلك حتى الوتر قبل أن يفرض عليه وحولت القبلة إلى الكعبة، وطعنت اليهود فى ذلك كله، وقالوا: لا قبلة لهم معلومة، وصلى على اجتهاده إلى جهة ليلا فى غزوة ومعهم النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل، لم يكن معهم لظلمة، فلما أصبحوا تبين أن بعضا صلى إلى الشمال، وبعضا إلى الجنوب، فنزل قوله تعالى:
{ ولله المشرق والمغرب } استلحقا جوانبهما، فذلك الأرض كلها { فأينما } هو المكان الذى أتم فيه، أو الذى استقبلتم إليه { تولوا } وجوهكم فى الصلاة، بأمره لكم بالتولية { فثم وجه } ذات { الله } أو فثم الله بالعلم والحفظ وسعة الرحمة وغير ذلك، أو فثم جهة الله، أى الجهة التى أمركم بها، وليس توليكم باختياركم حتى يصيبوكم بصلاة بعض الجنوب وبعض إلى الشمال فى السفر، للجهل بالجهة فى غزوة، وقد قيل، نزلت الآية فيهم، وقيل فى الصلاة على الراحلة للضرورة وصلاة النفل عليها مطلقا ، وفى ذلك اختصاص لنا بأن نصلى حيث أدركتنا الصلاة لا كمن قبلنا لا يصلون إلا فى كنائسهم، وكان عيسى عليه السلام يصلى حيث أدركته الصلاة فصلوا إلى الكعبة، وقوله فصلوا إلى الكعبة متعلق بقوله، وليس توليكم باختياركم، وما بينهما اعتراض، والنفل على الراحلة، وصلوا فى الأرض كلها، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا ولا يضركم أن منعوكم عن المسجد الحرام أو الأقصى، وقبل فتح المقدس منع المسلمون من الصلاة فيه، وقيل منعهم الإفرنج حين استولوا عليه حتى رده صلاح الدين، وعليه فالآية إخبار بالغيب { إن الله وسع عليم } يسمع فضله وعلمه كل شىء ومن سعة فضله أن جعل لكم الأرض مسجدا، فقيل، ولو سبخة حال الاختيار، ولا بد من الطهارة، ومن قبلنا لا يصلون، إلا فى مساجدهم، فإذا غابوا عنها تركوها وقضوها.
[2.116]
{ وقالوا } عطف على منع، أى ومن أظلم ممن منع وسعى، وقالوا، أى وممن قالوا { اتخذ الله ولدا } قالت العرب وبعض النصارى، الملائكة والجن بنات الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالت اليهود عزير ابن الله. ومن قال بالأبوة والنبوة بمعنى الرحمة لم يجز له ذلك، لأن لفظ الكفر كفر، ولم لم يعتقد ظاهره، وإن صح أن عيسى قال بذلك على معنى الرحمن فقد قيل به على ظاهره بعده، فيكون لفظ الشرك بحكم الشرع قطعا لمادة الشرك، وقد كان بعض بربر الغرب يقولون للرحمن باب، فقال بعض علماء المغرب:
يقولون للرحمن باب بجهلهم
ومن قال للرحمن باب فقد كفر
وأجاب بعض بأنه لا كفر، إذ لم يقصدوا الإشراك، ومن قاله ولم يرد الإشراك فليس شركا لكن ينهى عن قوله { سبحنه } نزهوه أيها المؤمنون عن الولد تنزيها، لأن الوالد له جهات وحدوث وفناء فيخلفه ولده، والله بخلاف ذلك { بل له ما في السموت والأرض } من غير العقلاء، ولفظ ما هنا للأنواع، والأنواع غير عاقلة، وإنما العاقل بعض الأفراد، والمملوك والمخلوق لا يكونان ولدا ومخلوقا للخالق والمالك { كل } مما فى السماوات والأرض، عليهما وما فيهما من أجزاء { له قنتون } عابدون عبادة يعلمها الله، أو منقادون لما أراد الله، ومن زعموه ولدا فقد أذعن للعبودية لله، وهم ممن فى السماوات والأرض فليسوا بأولاد، الآية تناسب حديث: من ملك ذا رحم، أى وكان محرما، عتق عليه، وجمع السلامة للمذكر تغليل، وتلويح بأن الجمادات وغيرها كالعقلاء فى الانقياد، أو لأن الله خلق تمييزا للجمادات يتعبدون به، أو جمع سلامة للمذكر تغليب للعقلاء الذكور.
[2.117]
{ بديع } هو بديع { السموت والأرض } أى غريب شكلهما، إذ أوجدهما بلا مثال سابق، وفائقهما فيما تشاهد، والعرش ولو كان أعظم منها لا نشاهده، صفة مشبه أضيفت لفاعلها، لأن يدع لازم لا مفعول له، كقولك زيد كثير المال، وقد يقال بمعنى مبدع، أضيف لمفعوله { وإذا قضى أمرا } أراد إيجاده { فإنما يقول له كن } أى احصل { فيكون } فهو يكون، أى يحصل بلا توقف، وليس هناك قول، بل تمثيل لوجود ما يريد وجوده بسرعة.
[2.118]
نامعلوم صفحہ