ودعوتنى وزعمت أنك ناصح
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتنى سمحا بذاك مبينا
والوجه الأول أولى وهو أنهم ينهون عن تصديقه غيرهم، ويبعدون عن تصديقه، وأما الثانى أنهم ينهون عن ضره ويبعدون أنفسهم عن تصديقه والإيمان به فيضعف بأن فاعل ذلك أبو طالب ولا يحسن جمعه تعظيما له لفعل ما لا يستقل به وحده كما قيل به، وقيل هو وتسعة إخوة له كلهم أعمام النبى صلى الله عليه وسلم كانوا أشد الناس له نفعا فى العلانية ذبا على نسبهم، وبأن ما قبل ذلك من الآيات فى ذم طريقتهم، فليكن هذا كله فى ذمها، لا فى ذمهم بالنأى عن تصديقه ومدحهم بالنهى عن ضره، لكن لا بأس بالذم بالمجموع مشتملا على شئ هو مدح، وبأن ما بعد ذلك أيضا فى ذمهم وهو قوله تعالى { وإن يهلكون إلا أنفسهم } بالنهى عن تصديقه، وبالبعد عنه لأن وبال ذلك راجع عليهم، ولا يخفى أن هذا أولى من أن يقال: وإن يهلكون إلا أنفسهم بالبعد عن تصديقه، ولو لم يهلكوها بالنهى عن ضره، ولو كان وجها عبر بلا إهلاك إشهارا بأن مرادهم إهلاكه بالكلية لا منع الناس عنه فقط ولا مطلق الضر { وما يشعرون } بإهلاكهم أنفسهم بذلك، وأن ضرره يرجع عليهم لا ينالك ضرهم ولا ينال القرآن ، وشرح إهلاكهم أنفسهم بقوله.
[6.27]
لرأيت أمرا هو غاية السوء يضيق عن قلبك وصفه فحذف الجواب ليذهب السامع كل مذهب ممكن فيه، ولو أظهر مخصوصا لاقتصر عليه أو مجملا لم يفصله كل تفصيل، ولو امتناعه، والرؤية الآن غير واقعة، فترى بمعنى رأيت، وإذا وما بعدها للمضى لتحقق الوقوع بعده، أو لو بمعنى إن وجوابها بلا لام، وإذ وقفوا بمعنى إذا وقفوا للاستقبال كترى، والخطاب له صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح، وترى بصرية، أى تراهم أو تشاهد حالهم، أو بمعنى تدبرت فيكون الجواب لازددت يقينا، ووقفهم على النار إحضارهم ليعاينوها، وإعلاؤهم عليها من خارج وهى من داخل أسفل منهم، أو إدخالهم إياها، أو بيانها لهم حتى يعرفوها حقا، كقولك وقفت فلانا على كلام فلان، بمعنى عرفته إياه، حتى لا محيد له عنه، أو وقفهم عليها تصييرهم واقفين فيها على أقدامهم، أو على بمعنى فى وهى محيطة بهم، قيل وحكمة على مع أنها بمعنى فى التلويح بأنهم فى النار تحتها نار وهم عليها، فإن كون نار فوق نار أشد من كون نار على غير نار، كما أن نارا جوفها نار شديدة ولا سيما نار بين نارين، وهذا الوجه الأخير ضعيف، ويا للتنبيه، أو يا قوم، أو يا رسول الله، والمراد الرد إلى الدنيا لنؤمن ولا نكذب ولو لم نرد، أو معطوف على نرد فيتسلط عليه التمنى كما تسلط على نرد، أو الواو للحال قدر المبتدأ بعدها أو لم يقدر فيكون للتمنى مقيدا بعدم التكذيب، ففى هذا الوجه والذى قبله ثلاثة أشياء، الرد للدنيا، وعدم التكذيب، والكون من المؤمنين، فإن قيد التمنى داخل فى التمنى، وترجح العطف على يا ليتنا نرد، لقوله تعالى
وإنهم لكاذبون
نامعلوم صفحہ