، وروى أن الشافعية يجمعون بين الروايتين في الحديث بأن إحداهما لبيان جواز التقديم والأخرى لبيان الوجوب، وفاء الجواب ترتب مجموع ما بعدها على ما قبلها ولا ترتيب لها بين أجزاء ما بعدها { إطعام عشرة مساكين } بالعدد ولا يجزى إطعام ما يكفيهم إنسانا واحدا فصاعدا إلى تسعة أو أحد عشر فصاعدا خلافا لأبى حنيفة، وكذا فى الكسوة يعطى كسوة عشرة لواحد فعنده فيما يظهر، والمراد بالإطعام ما يشمل الإيكال والكيل ولا يلزم التوالى فيجوز أن يوكل اليوم إنسانا أو أكثر، ومن الغد أو بعد الغد آخر أو أكثر، حتى يتم العدد، أو يكيل كذلك أو يوكل بعضا ويكيل البعض كذلك، والكيل مدان من الطعام الجيد أو ثلاثة من دونه، وأجيز مدان من طعام مطلقا، وأجيز مد { من أوسط ما تطعمون أهليكم } لا يجزئ الدون ولا يلزم الأعلى، وظاهر الآية عموم الطعام، والمذهب أنه من الحبوب الست، قالت الشافعية: مد لكل مسكين، والحنفية نصف صاع من بر أو صاع من شعير، وعن ابن عمر: الأوسط الخبز والتمر والخبز والزيت والخبز والسمن والأفضل الخبز واللحم، وعن ابن سيرين الأفضل الخبز واللحم، والأوسط الخبز والسمن والأخس الخبز والتمر، والرابط محذوف أى ما تطعمونه، وأهلى جمع مذكر سالم شاذ قياسا لأنه ليس أهل علما ولا صفة فعده بعض اسم جمع { أو كسوتهم } قدر ما يكفى الأنثى في الصلاة إن كسا أنثى وهو ما يسترها كلها إلا الكف والوجه، وما يكفى الذكر فيها وهو ما يستره من كتفه وقيل من سرته إلى أسفل من ركبتيه قدر مالا ينكشف باطن ركبتيه إذا ركع، والكسوة إما بمعنى اللباس فيقدر مضاف أى وإعطاء كسوتهم أو إلباس كسوتهم، ويقدر أيضا أو كسوتهم من أوسط ما تكتسون، ويجزئ الرجل سراويل، ويشترط أن يكون مما ينتفع به ثلاثة أشهر لا أقل، وعن ابن عباس: كانت العباءة تجزئ، وعن ابن عمر: قميص أو رداء أو كساء، وعن الحسن ثوبان أبيضان، وعن جعفر الصادق ثوبان لكل مسكين، ويجزئ ثوب واحد عند الضرورة، ويجزئ كسوة صبى، واشترط الحنفية أن يكون مراهقا.
{ أو تحرير رقبة } مؤمنة عندنا قياسا على رقبة القتل، وأيضا الكفارة حق الله تعالى فلا يصرف إلى عدو الله عز وجل كالزكاة التي جاء فيها: ضعوها في فقرائكم، لا حملا للمطلق على المقيد وهكذا قل ولا تقل ما شهر من حمل المطلق على المقيد كما تقول الشافعية؛ وإنما يصح هذا الحمل عندى لو كان النوع واحدا، أو إن شئت فقل لو كان السبب واحدا أو المعنى واحدا وليس كذلك؛ فإن اليمين نوع والقتل نوع، فلو ذكر في موضع أن على الحالف الحانث عتق رقبة مؤمنة وذكر في موضع آخر أن عليه عتق رقبة لصح الحمل لاتحاد النوع، والتحرير هو الواجب لا هو والكسوة لمحرر، وصححوا وجوبها، وأجاز أبو حنيفة عتق الرقبة الكافرة في جميع الكفارات: اليمين والظهار وغيرهما إلا كفارة القتل، والثلاثة على التخيير وهن فى الفضل على ترتيبهن في الآية. { فمن لم يجد } ما ذكر { فصيام ثلاثة أيام } أى فكفارته صيام ثلاثة أيام، أو فعليه صيام ثلاثة أيام، ويشترط التتابع قياسا على الظهار أو حملا لأن ذلك كله نوع واحد وهو اليمين، والقياس أولى لتخالفهما ولو كانا جميعا يمينا، وغير الواجد من ليس له قوت سنة، وقيل من لم يكن له عشرون درهما، وقيل خمسة عشر درهما. وعن الشافعي غير الواجد من لم يكن عنده قوته وقوت عياله يومه وليلته، وفضل ما يطعم عشرة أو يكسوهم، وعن أبى حنيفة من لم يكن له نصاب فهو غير واجد، وعن قتادة : من لم يكن له خمسون درهما فغير واجد، ومن غريب أموره أن قوله في الجديد أن غير الواجد من من لا يملك كفاية العمر الغالب ولو ملك قوت أيام أو شهور أو سنين، وهو ظاهر البطلان، وأظن أنه لا يصح عنه ذلك، وللشافعي قول بعدم وجوب التتابع ولا ينقضه الحيض والنفاس خلافا للحنفية، وأما قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: فصيام ثلاثة أيام متتابعات ففى من له اختيار، وأما من لا اختيار له كالحائض والنفساء فلا يشترط له أن لا يفصله حيض أو نفاس، وكذا فيما روى عن ابن مسعود وأبى بن كعب من التتابع { ذلك } ما ذكر كله أى الواحد منه { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } أى وحنثتم { واحفظوا أيمانكم } عن الحنث بها، أو احفظوا أيمانكم بأن لا تحلفوا إلا في أمرمهم لداع صحيح، وبأن لا تواقعوها إلا باسم الله، واحفظوا شأنها بالتكفير إذا حنثتم، أو لا تنسوها فإن حفظها أفضل من الحنث والتزام الكفارة، إلا إن كانت على فعل مكروه أو معصية أو ترك طاعة فليحنث وجوبا بترك المعصية، وبفعل الطاعة الواجبة، واستحسانا في المكروه والطاعة غير الواجبة جاء الحديث بذلك، وقيل: ترك المعصية وفعل الواجب كفارته، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم:
" إنى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير "
، ولا يفيد هذا تقديم الكفارة على الحنث جوازا لأن الواو لا ترتب { كذلك يبين الله } أى مثل ذلك التبيين في اليمين يبين الله { لكم آياته } سائر أحكامه في الآيات { لعلكم تشكرون } لعلكم تشكرون الله على تبيينه لكم فى سهولة وعلى نعمة التعليم وجعله المخرج لكم.
[5.90]
{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر } هى ما يسكر قليله أو كثيره، وجاء الحديث أنه ما أسكر كثيره فقليله حرام، وسميت لأنها تخامر العقل أى تعالج تغطيته، فكل ما يغيره خمر، وهذا أصله بالاشتقاق ولو غلب في عصير العنب، وقد قيل أنها من الخمر وأما غيرها فمن الحديث { والميسر } القمار سمى لأنه يؤخذ به المال يسرا أى سهولة، وعدوا منه اللعب بالجوز والكعاب وما أشبه ذلك، وتنسب قطعة من جبن كصورة الرغيف إلى القمار لأنهم يلعبون بها فيأخذها الغالب من المغلوب { والأنصاب } الأصنام سميت لأنها تنصب للعبادة، والمفرد نصب بفتحتين أو ضمتين أو هي أحجار تنصب دون الأصنام، ولا تخلو عن تبرك بها وعبادة { والأزلام } سهام يكتب في بعضها أمرنى ربى وفى بعضها نهانى ربى وبعض لا كتابة فيه، وهى فى الكعبة عند سدنة الكعبة، إذا أرادوا نكاحا أو سفرا أو تجرا أو غزوا أو نحو ذلك أجالوها فما خرج عملوا به، وإن خرج ما لم يكتب عليه أعادوا حتى يخرج ما فيه كتابة فهم يستقسمون بها أى يطلبون ما قسم لهم من الله ذلك دون مالم يقسم لهم من ذلك وتقدم غير ذلك. { رجس } خبيث تستقذره العقول السالمة، أو المراد أنه كرجس أى كنجس مستخبث، وأكثر ما يستعمل الرجس فيما يستخبث عقلا، والنجس طبعا، ولم يقل أرجاس لأن المبتدأ مضاف مفرد محذوف، أى إنما تعاطى الخمر، أو لأنه في الأصل مصدر أو لأن المراد التشبيه كرجس أو خبر للخمر، وذكر لأن المراد شئ رجس ويقدر الخبر لغيره وهو في نية التقديم هكذا، إنما الخمر رجس والميسر والأنصاب والأزلام كذلك { من عمل الشيطان } من وسوسته، أو نسب العمل إليه لأنه داع إليه، ولا يخفى أن تعاطى تلك المحرمات هو الذى من عمل الشيطان لا نفس تلك الأشياء، فقوى تقدير إنما تعاطى الخمر إلخ، أو معاملة الخمر إلخ، ومثله أن يقدر لكل ما يناسبه، أى إنما شرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأصنام واستقسام الأزلام، إلا أن فيه كثرة الحذف، وإما بلا تقدير فيكون نفس الخمر وما بعده من عمل الشيطان أى من صنعته وهو جائز إلا أنه دون ذلك { فاجتنبوه } أى اجتنبوا ما ذكر، أو اجتنبوا الرجس، أو اجتنبوا تعاطى ذلك، أو الشيطان. { لعلكم تفلحون } باجتنابه، قال عمر رضى الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل:
يسألونك عن الخمر والميسر
[البقرة: 219] فدعا صلى الله عليه وسلم عمر فقرأها عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل قوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
[النساء: 43] إلخ، فدعا فقرأه عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل قوله تعالى: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }.
نامعلوم صفحہ