[الفرقان: 44] أو يشك الناظر. أهى كالحجارة أم أشد، أو يخير بين أن تشبه بها وأن يقال أشد على جواز التخيير بأو فى غير الأمر والنهى، أو نوعهم إلى قلوب كالحجارة، وقلوب أشد، والحديد، ولو كان أقوى من الحجر، لكن قد يلين بالنار، وقد وقع لينه لداود عليه السلام خارجا بلا نار، وأيضا الحديد لا يخرج منه الماء فلا يناسب ذكر خروج الماء من الحجر وهبوطه من الخشية بعد، ولا سيما أن الحديد إنما يلين بانضمام النار، لا بمجرده ولينه لداود ومعجزة لامساس لها هنا، ولم يقل، أو أقسى لأنه يدل على حصول الشدة لا على زيادتها وأشد قسوة يدل على زيادتها، فهو أبلغ { وإن من الحجارة لما يتفجر } ينبع نبعا واسعا { منه الأنهر } المياه، سماها أنهارا تسمية للحال باسم المحل، والكلام تعليل جملى الأشد قسوة، وزعم بعض وتبعهم الشيخ عمرو التلاتى، أن الواو تكون للتعليل، ولا يصح، ولو صح لحملنا عليه الآية، أى لأن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، وهو مطلق الحجارة، وزعم بعض أنه أراد حجر موسى الذى انفجرت منه اثنتا عشرة عينا، والأول أصح للإطلاق، ولأن حجر موسى خارق للعادة معجزة { وإن منها لما يشقق } بعد أن كان منشقا، أصله يتشقق، أبدلت التاء شينا وأدغمت { فيخرج منه الماء } قليلا دون الانفجار { وإن منها لما يهبط } يسقط من الجبل على الاستقلال { من خشية الله } لا بحيوان أو مطر أو صاعقة أو رعد أو نحو ذلك، خلق الله فيه التمييز والعقل، فيخشع فيسقط.
ومن خلق العقل فى الحجر قوله صلى الله عليه وسلم،
" إنى لأعرف حجرا كان يسلم على قبل أن أبعث "
، وأنه صلى الله عليه وسلم بعد بعثه ما مر بحجر أو مدر إلا سلم عليه، وأن الحصى سبح فى كفه، وكف بعض الصحابة، وأن الحجر الأسود يشهد لمن استلمه.
وليس المراد هنا الانقياد لما يريد الله، فإن الخلق كله كذلك، حتى قلوب الكفرة فإنها منقادة لما يريد الله من هزال وسمن وصحة ومرض، وزوال وبقاء، وفرح وحزن وغير ذلك { وما الله بغافل عما تعملون } فهو عالم بما تعملون، فيعاقبكم على مساوئكم المحبطة لمحاسنكم فى الآخرة.
[2.75]
{ أفتطمعون } إنكار للياقة الطمع، العطف على قست، والهمزة من جملة المعطوف، أو على مقدر بعد الهمزة، والخطاب للمؤمنين، قيل، والنبى أيضا، أى تحسبون أن قلوبهم صالحة للإيمان فتطمعون، وقيل للأنصار، وفى ذلك تشديد العقاب، ويقال، الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، لأنهم يطمعون فلا حاجة ولا دليل على أن الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع تعظيما، كما هو قول ابن عباس { أن يؤمنوا } أى فى أن يؤمن اليهود، أى ينقادون { لكم } ، أو يؤمنوا لأجلكم، والواو لليهود فى المدينة وما قرب منها، كيف تطمعون فى إيمانهم مع ما فيهم من موانع الإيمان، تحريف الحق مع العلم به فى طائفة من الأحبار، ونفاقهم إليكم بظاهر الإيمان وإخلاص الكفر، إذا خلا بعض ببعض فى طائفة، وتحذير بعض بعضا عن التحدث برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المذكورة فى التوراة فى طائفة واعتقاد الباطل توراة فى طائفة، وكتابة كلام يقولون إنه من التوراة، وليس منها، فى طائفة، وأشار إلى ذلك كله بقوله { وقد كان } إلى قوله إلا يظنون، أى طمعكم فى إيمانهم وبعيد، والحال أنه قد كان { فريق } طائفة، أحبار تفرقوا طوائف { منهم } ممن حضروا وأسلافهم { يسمعون كلم الله } فى التوراة ممن قرأ من كتاب الله، أو رأه بعينه، وفهمه، والمراد القرآن { ثم يحرفونه } يردونه فى ظرف غير ما هو فيه بمحوه أو إسقاط بعضه أو زيادة ما يفسد به، أو تفسيره بخلاف ما هو عليه { من بعد ما عقلوه } فهموه حقا وأنه من الله. { وهم يعلمون } أنه حق، وأنهم مبطلون، وأنه من الله، وأنهم كاذبون فى التحريف ومبطلون فيه، فقد يحرف المرء شيئا ولا يعلم أنه مبطل فى تحريفه، وما مجملة ولا حاجة إلى جعلها تأكيدا فى المعنى لقوله عقلوه، ومن ذلك تبديل ما فى التوراة من الرحم بالتسخيم وتسويد الوجه وما فيها من أنه صلى الله عليه وسلم أبيض ربعة بأنه أسمر طويل، وأنهم طلبوا أن يسمعوا كلام الله تعالى كموسى، فأمرهم أن يتطهروا ويلبسوا ثيابا نظيفة فأسمعهم فزادوا، أنه قال لهم، إن شئتم فلا تفعلوا، وهم السبعون الذين اختارهم.
[2.76-77]
{ وإذا لقوا } أى اليهود، إذ القائل منهم، لا كل فرد، أو إذا لقى منافقوهم، والمراد أشرار علمائهم، ومن معهم من العرب كعبد الله بن أبى { الذين آمنوا قالوا ءامنا } بمحمد رسولا مبشرا به فى التوراة، وأنكم على الحق فى اتباعه، وهذا إلى قوله، أفلا تعقلون داخل فى توبيخ المؤمنين على الطمع فى إيمانهم، أتطمعون أن يؤمنوا مع أنهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا... إلخ، وإما وبخهم على ذلك الطمع، لأن الطمع تعلق النفس بإدراك المطلوب تعلقا قويا، وهو أشد من الرجاء، فشدد عليهم فيه، لأنه ربما يؤدى إلى ملاينة لا تجوز { وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا } أى رؤساؤهم الذين يصرحون بالكفر ولم ينافقوا، أى قالوا لمن نافق منهم. قام النبى صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال، يا إخوان القردة، يا إخوان الخنازير وعبدة الطاغوت، فقالوا: ما أخبر بهذا محمدا إلا أحد منكم أتحدثونهم...إلخ، كما قال { أتحدثونهم } أتحدثون المؤمنين، وهذا توبيخ على ماض مستمر، فهو موجود فى الحال إذ اعتقدوا أن منافقيهم لم يقطعوا نياتهم عن التحديث والتوبيخ، رفع على ماض وحاضر، أو صورا حالهم الماضية من التحديث بصورة الحاضر { بما فتح } به { الله عليكم } أنعم به عليكم من العلم برسالة محمد فى التوراة وصفاته، والإيجاب على الأنبياء أن يؤمنوا به، أو قضى عليكم به، أو أنزله عليكم بوساطة موسى، أو بينه لكم كما يقال: فتح على الإمام، إذا ذكر ما توقف عنه، وذلك الأمر قبل بيانه كالشىء المغلق عليه، وبعد بيانه كالشىء المفتوح عليه، فذلك إقرار منهم بأن الله قضى عليهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليهم رسالته، وتفسيره بالإنزال معنوى { ليحاجوكم } ليحاجوكم حجا عظيما، والمفاعلة مبالغة، لا على بابها { به } بما فتح الله عليكم فيغلبوكم، والللام لام العاقبة مجاز على التعليل، أى فيكون المآل أن يخاصموكم به { عند ربكم } فى الآخرة، بأن يشهدوا عليكم بإقراركم بأن الله حكم علينا، أى قضى بأن نؤمن بمحمد وكتابه فستقام عليكم الحجة بترك اتباعه مع إقراركم بصدقه، وهو متعلق ليحاجوا { أفلا تعقلون } عطف على أتحدثونهم، أو يقدر، ألا تتأملون فلا تعقلون أنهم يحاجونكم يوم القيامة بأن محمدا رسول الله فى التوراة، وذلك من جهلهم، فإنهم يوم القيامة محجوبون بما فى التوراة، حدثوا المؤمنين به أم لم يحدثوا، وإن رجعنا هاء به للتحديث، أى ليحاجوكم بتحدثكم بأن يقول المؤمنون، ألم تقولوا لنا إن محمدا رسول الله فى التوراة كان المعنى أنه اشتد عليهم أن يحاجوهم بالتحديث، ولو كانوا لا ينجون مع من قطع العذر، ولو لم يحدثوهم إلا أنه يضعف رد الهاء للتحديث بقوله:
{ أولا يعلمون } عطف على ما قبل، أو يقدر، أيلومونهم ولا يعلمون { أن الله يعلم ما يسرون } مطلقا، ومنه إسرارهم الكفر، وصافت الله، وصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم { وما يعلنون } مطلقا، ومنه إظهارهم الإيمان فإنه أنسب بردها إلى ما فتح الله، وأيضا قد يمكنهم إنكار التحديث، لا ما فتح عليهم والمشركون قد يحققون ما علموا أن الله عالم به لفرط دهشتهم، وذلك فى الآخرة، كقوله تعالى
نامعلوم صفحہ