[2.51]
{ وإذ وعدنا موسى } المفاعلة للمبالغة لأن من شأن المتفاعلين جذب كل واحد ليغلب الآخر، أو على بابها، إذ وعده الله إنزال التوراة ووعد الله المجيء إلى الطور للعبادة، أو يكفى فيها فعل من طرف، وقبول من آخر، كعالجت المريض أو الطلب طرف وامتناع القبول طرف { أربعين ليلة } تمام أربعين يوما بلياليها ذا القعدة وعشرة من ذى الحجة، أو ذا الحجة وعشرة من المحرم، يصوم الأيام فى الطور بوصال، ويقوم الليالى. ويتعبد، جعلت له ذلك لأنزل عليه التوراة بعد تمامها، فتعملوا بها، وأخبره الله بذلك، وعبر بالليالى لأنها أول اليوم، والشهور والأعوام، فإنها بالهلال والهلال بالليل ولأن الظلمة أقدم من الضوء، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار. استخلف هارون على بنى إسرائيل، فذهب إلى الطور، فتعبد أربعين، وأنزل عليه بعد تمامها، أو فى العشرة الأخيرة أو فى الأربعين كلها أو فى أولها، أقوال التوراة سبعين سفرا، وقلما توجد كلها عند إنسان واحد على عهد موسى أو ما يليه وذلك بعد ما ذهب منها بإلقائه الألواح الزبرجدية المكتوبة هى فيها، فيحتاج إنسان إلى مسألة، فيقال هى فى سفر كذا وكذا، عند فلان فى موضع كذا؛ فتلاشت ولم يبق منها إلى القليل، ثم وقع التحريف أيضا، ومواعدة الأربعين إخبار بما فى نفس الأمر عند الله، إذ كان فى الغيب عند الله أن يتعبد ثلاثين، أمره بها ثم زاد عشرة، والنصب على المفعولية أى واعدنا موسى إعطاء أربعين يتعبد فيها، أو على الظرفية، أى أمرا واقعا فيها أو بعدها، أو مفعول مطلق، أى مواعدة أربعين { ثم اتخذتم } اتخذ آباؤكم الباقون فى مصر ومن معهم، إلا اثني عشر ألف رجل مع هارون، وقيل اتخذه ثمانية آلاف { العجل } الذى صاغه موسى السامرى المنافق إلها يعبدونه، فالمفعول الثانى إلها، أو لا ثانى له، كقوله اتخذت سيفا صنعته { من بعده } بعد ذهاب موسى عليه السلام إلى ميقات الأربعين { وأنتم ظلمون } باتخاذه لأنفسكم ولدين الله، ولم يقتدى بكم وزمانكم ومكانكم، وكل من عصى الله فقد ظلم وقته ومكانه، والظلم الضر، ونقص حق الشىء، ووضع الشىء فى غير موضعه فاحفظ ذلك لغير هذا الموضوع، واعتبره، وقد وضعوا العبادة واسم الألوهية فى غير موضعهما، وذلك العجل لحم ودم بإذن الله على الصحيح، وقيل صورة، فنسبة الخوار إليه على التجوز، ونسب للجمهور.
[2.52]
{ ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } الاتخاذ قبلنا توبة عبدة العجل بعد ما قتلوا منهم سبعين ألفا، ورفع الله عنهم السيف، وصح إطلاق العفو مع عقابهم بالقتل لأنه عفو عن مزيد العقاب بخلاف الغفران فلا يكون مع العقاب كذا قيل، والصحيح أنه يستعمل كالعفو بلا عقاب ومع عقاب { لعلكم تشكرون } تستعملون قلوبكم، وألسنتكم، وجوارحكم فى العبادة لمقابلة نعمة العفو إذ عاملناكم معاملة من يرجو الشكر على ما أنعم به أو لتشكروا، والشكر استشعار العجز عن الوفاء بحق النعم، عند الجنيد، والنواضع عند حضور النعمة القلب عند الشبلى، والطاعة لمن فوقك لنعمه ولنظيرى بالمكافأة ولمن دون ذلك بالإحسان.
[2.53]
{ وإذ ءاتينا } هى إذ الساكنة، فتحت بالنقل، ومدت بألف آتينا بعد حذف همزه، { موسى } منع الصرف للعملية والعجمة، مركب من ماء وشجر، فمو ماء، وسى شجر أبدلت الشين سينا، وزاد الألف لأنه وجد بين ماء وشجر فى بركة فرعون من النيل، وقيل عربى مفعل، وقيل فعلى، من ماس يميس، أبدلت الياء واو كطوبى من طاب يطيب، والألف للتأنيث، وهو ضعيف، لأن زيادة الميم أولا أولى من زيادة الألف { الكتب } الصحف { والفرقان } التوراة الفارقة بين الحق والباطل، والحلال والحرام، أو الكتاب التوراة، والفرقان المعجزات، كالعصا واليد أو كلاهما التوراة وعطف تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تعاير الذات آى آتينا موسى كلاما جامعا بين كونه مكتوبا من الله فى الألواح، وفى اللوح المحفوظ، وكونه مفرقا بين ذلك، والفرقان أيضا مكتوب فى اللوح المحفوظ، وفى صحف الملائكة، والفرقان النصر الفارق بين العدو والولى، كما قيل سمى يوم بدر يوم الفرقان لذلك وذلك كما تقول جاء زيد العالم الشجاع والكريم، تريد جاء زيد المتصف بالعلم والشجاعة والكرم، ويدل لذلك قوله تعالى: الفرقان وضياء وذكرا { لعلكم تهتدون } من الضلال بهما أو به، إذ قلنا هما واحد، أى لتهتدوا، أو عاملناكم معاملة الراجى، أو أرجو الاهتداء، وكذا حيث تكون لعل من الله ولو لم أذكر ذلك.
[2.54]
{ وإذ قال موسى لقومه } من عبد العجل من الرجال والنساء، فإن لفظ قوم يستعمل عاما للنساء مع الرجال، تبعا على المشهور، ولو كان لا يستعمل فيهن وحدهن لأنهم القائمون بهن، الرجال قوامون على النساء، وقيل يجوز إطلاق القوم عليهن حقيقة أو مع الرجال كذلك { يقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل } إلها { فتوبوا } من عبادة العجل، وتسميته إلها، والدعاء إليه، والرضى بتصويره، مع أنه لا يقدر على فعل شىء، فضلا عن أن يكون خالقا { إلى بارئكم } خالقكم برءاء من التفاوت، كيد فى عياة القصر والرقة، وأخرى طويلة غليظة أو يد سوداء، ووجه أبيض، وهو أخص من الخلق ومخرجكم من العدم والخلق النقل من حال الأحرى والتقدير { فاقتلوا أنفسكم } ليس هذا من التوبة، تفسير إلها بل هى فى قوله توبوا، وهذا عقاب تصح به توبتهم، وتقبل كمن فعل ذنبا مما بينه وبين الله فاستقبحه، وندم، وعزم على عدم العود، وأمر بكفارة، فالتحقيق أن الكفارة ليست من حد التوبة ولو كانت قد تؤخذ فى تعريفها بخلاف رد المظلمة فمن حدها. ومعنى اقتلوا أنفسكم، ليقتل بعضكم بعضا أنفسكم، أو نزلهم منزلة شىء واحد، وذلك أنهم لم يؤمر كل واحد أن يقتل نفسه بل أمر من لم يعبد العجل، وهم اثنا عشر ألفا أن يقتل من عبده، والقاتل والمقتول كنفس واحدة، نسبا ودينا، والخطاب لمن يعبده فى اقتلوا، أو اقتلوا يا عابدى العجل، بعضكم بعضا، أو أسلموا أنفسكم للقتل، فالخطاب للعابدين، قالوا: نصبر للقتل طاعة الله ليقبل تربتنا، وعلى أن القاتلين من لم يعبد العجل، فالعابدون جلسوا محبتين، وقال هلم موسى من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله، أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود التوبة، فأخرجت الخناجر والسيوف، وأقبلوا عليهم للقتل فكان الرجل يرى أباه وابنه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فيرق له ولا يمكنه أن يقتله، فقالوا يا موسى: كيف نفعل، فأرسل الله عليهم سحابة سوداء تغشى الأرض كالدخان لئلا يعرف القاتل المقتول، فشرعوا يقتلون من الغداة إلى العشى، حتى قتلوا سبعين ألفا، واشتد الكرب، فبكى موسى وهارون تضرعا إلى الله، فانكشفت السحابة وسقطت الشفار من أيديهم، ونزلت التوبة، فأوحى الله إلى موسى، أما يرضيكم أن أدخل القاتل والمقتول الجنة، فكان من قتل منهم شهيدا، ومن بقى منهم مغفورا له خطيئته من غير قتل، وذلك حكمة من الله عز وجل، وله أن يفعل ما يشاء، أبدلهم عن الحياة الدنيا حياة سرمدية بهيجة، وقيل التقل إذلال النفوس بالطاعة وترك المعصية { ذلكم } أى القتل { خير } منفعة أو اسم تفضيل خارج عنه، وإن لم يخرج فباعتبار لذة المعصية فى النفوس، أو من باب العسل أحلى من الخل { لكم عند بارئكم } الخطاب للذين لم يعبدوا العجل، والذين عبدوه، أذعن العابدون للقتل، وامتثل غير العابدين قتل العابدين، مع أنهم من نسبهم وقرابتهم وأصدقائهم وأصهارهم، وجيرانهم، وكرر لفظ بارىء ولم يقل خير لكم عنده.
ليشعر بأن من هو بارىء حقيق بأن يمتثل له أمره ونهيه { فتاب } الله، ومقتضى الظاهر، فتبت { عليكم } قبل توبتكم، من قتل، ومن لم يقتل لإذعانه للقتل { إنه هو } مقتضى الظاهر إننى أنا { التواب } على كل من تاب من خلقه { الرحيم } المنعم على من تاب أو أنه هو الذى عهدتم يا بنى إسرائيل قبل ذلك توبته عليكم ورحمته لكم.
[2.55]
نامعلوم صفحہ