" لا يتم بعد الحلم "
، أى لا يجرى عليهم حكم اليتيم بعد البلوغ، ويجوز أن يكون المراد، أعطوا من هو يتيم الآن ماله إذا بلغ فلا مجاز، بل اليتيم من الانفراد كما يقال، درة يتيمة، فباعتباره البالغ يتيم أى منفرد عن أبيه بموت أبيه، ولكن العرف خصه بمن لم يبلغ، وقد علمت أن معنى لا يتم بعد بلوغ أنه لا يجرى عليه حكم من يسمى يتيما فى العرف، وهو من لم يبلغ ومات أبوه، واختار فى الآية لفظ اليتم تعجيلا أو البلوغ، والرشد قريبا من اليتم، أو المراد أعطوهم أموالهم قبل البلوغ إن أنس منهم الرشد وقدروا على حفظه { ولا تتبدلوا الخبيث } الحرام، وهو شامل لأموالهم تصير خبيثة فى حق من يأخذها باطلا، أو يعطى فيها ما دونها، كهزيلة بسمينة اليتيم وشامل لأخذها { بالطيب } هو شامل لأموال المخاطبين ولحفظ مال اليتامى ولإعطاء ما هو رفيع فيها { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أى مضمومة إلى أموالكم، أو مع أموالكم، اى لا تتلقوها غير مبالين بها كأنها أموالكم أو من سائر ما يباح، فأطلق الأكل على مطلق الإتلاف لعلاقة الإطلاق والتقييد، أو الكلية والجزئية، أويراد ظاهر الأكل ويقاس عليه غيره من الإتلاف، واختار لفظ الأكل لأن الأكل معظم ما يقع التصرف لأجله ولعامل مال اليتيم أجرته بمعروف، قال رجل لابن عباس: إن لى يتيما، وإن له إبلا فأشرب من لبنها، فقال إن كنت بتغى ضالة إبله، وتهنأ جربانها، وتلوط حوضها وتسقيها يوم ورودها فاشرب غير مضر بنسلها، ولا ناهك فى الحلب وذلك من الأكل بالمعروف { إنه } أى الأكل بمعنى الإتلاف مطلقا، أو الأكل المقيس عليه غيره { كان حوبا } ذنبا { كبيرا } ولما نزلت الآية قال عم اليتيم الذى نزلت الآية فيه: أطعنا الله ورسوله ، ونعوذ بالله من الحوب الكبير، ويجوز من الآية تزويج اليتيمة الصغيرة، وبنظر الصلاح، وخص بذات تسع فصاعدا، ولما نزل ذلك تحرجوا عن اليتامى وأموالهم فنزل قوله تعالى:
{ وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى } أن لا تعدلوا فيهم أو فى أموالهم بأن تأكلوها، والإقساط إزالة القسط أى الجور، فإن القسط يكون بمعنى الجور كما يكون بمعنى العدل ومنه وأما القاسطون فهمزة أقسط للسلب، كأقرد البعير أزال قراده { فانكحوا } تزوجوا { ما طاب لكم من النسآء } ما يسهل به لكم العدل معهن،وقد كان تحت بعض عشر نسوة وأكثر أو ثمان أو نحو ذلك مما فوق الأربع، فأمرهم الله أن يخافوا الجور على الأزواج، وترك العدل لهن، كما خافوه على اليتامى، إذ لا تنفع التوبة من ذنب مع البقاء على الآخر، وذلك موجب للاقتصار منهن على العدد القليل الذى يتوصل معه إلى العدل، أو إن خفتم من تباعات اليتامى وأموالهم فخافوا من الزنى أيضا فانكحوا ما تكفون به أنفسكم عن الزنى، فإنه لا ينفعكم الورع عن اليتامى مع عدم تحرجكم عن الزنى، أو إن خفتم أن لا تعدلوا فى أزواجكم اليتامى فانكحوا من غير النساء اليتامى ممن تدفع عن نفسها سوء الزوج فيها، أو فى مالها، وكان الرجل يتزوج يتيمة تحت حكمه، فيأكل مالها ويتزوجها بأقل من صداقها وأيضا لا يوصى لها ما أصدقها، أو كان الرجل ينفق أموال اليتامى التى عنده على أزواجه الكثيرة، فنهاهم الله عز وجل عن تزوج الكثير الذى لا يفى به ماله، فقال الله عز وجل، إن خفتم الجور فى أموال اليتامى لكثرة مؤونة أزواجكم فلا تنكحوا أكثر من أربع، وإن خفتم فى الأربع فتزوجوا ثلاثا، أو فى ثلاث فاثنتين، أو فيهما فواحدة، وعن الحسن كانوا يتزوجون يتامى تحت حكمهم رغبة فى مالهن لافيهن، ويسيئون العشرة، ويتربصون موتهن ليرثوهن، واستعمل لفظ ما لمن هوعاقل على القلة، أو باعتبار النوع المتصف باللذة أو الحلال أو العدد المبين بعد ونحو ذلك من الأوصاف، وهذه الأمور غير عقلاء وإنما العقلاء الأفراد المتشخصة، أو تنزيلا لهن منزلة غير العاقل لنقص عقلهن، كما يتبادر فى الأرقاء من قوله تعالى: { ما ملكت أيمانكم } ، وإذا اعتبرنا الحلال المذكور، وقد تقدم نزول حرمت عليكم أمهاتكم الخ فكأنه قيل انكحوا ما عهد لكم حله، وهو ما سوى المحرم، وإن تأخر نزول حرمت عليكم فالحلال مجمل بين بعد، ولا يجوز أن تكون مصدرية لبقاء طاب بلا فاعل، أى الطيب اى ذوات الطيب { مثنى وثلاث ورباع } عدلت تخفيفا عما اشتقت منه من الألفاظ التى تذكر مرتين احتصارا، عما لا يحصر، أو يحصر، واختار جواز ذلك إلى معشر وعشار، وأجاز الفراء صرفهن فى غير القرآن، واختار المنع، والخطاب لمن له ولاية على الأيتام ذكورا وإناثا، وإذا طابت امرأة تزوجها، وليس العبد كذلك لقوله تعالى:
لا يقدر على شىء
[النحل: 75، 76] وقول صلى الله عليه وسلم:
" أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ولا تحل له أربع "
، وقيل تكره خلافا لمالك، كما بسطته فى الفروع، ودل أيضا على أن الخطاب للأحرار قوله عز وجل: { فإن خفتم ألا تعدلوا } بين هذه الأعداد كما تحقق وقوع عدم العدل منكم بينهن، وكما خفتم أن لا تعدلوا فى اليتامى { فواحدة } فانكحوا واحدة { أو ما ملكت أيمانكم } أى تسروا ما ملكت، ولو كثرت، لعدم وجوب العدل بينهن، أو بينهن وبين الحرات وخفة مؤنتهن، ولأنهن مال معرضة للبيع مثلا، ويناسب أنه لا يجوز له ما فوق الأربع أن غيلان أسلم وتحته عشر، فقال صلى الله عليه وسلم
" أمسك أربعا وفارق سائرهن "
، وأن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس فقال صلى الله عليه وسلم
" أمسك أربعا، وفارق واحدة "
نامعلوم صفحہ