{ وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة } المنزلتين فى القرآن، لوجوب الإيمان به واتباعه عليكم { واركعوا مع الراكعين } محمد وأصحابه، جماعة أو الجنس فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما خوطبوا بالتوحيد، وتأويل الآية ونحوها بآمنوا بوجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ليكون من الأصول دعوى بلا دليل وتكلف، والحق جواز الأمر بالشىء قبل بيانه، لا ليفعلوه قبل بيانه، فليس ذلك من تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما تقول لعبدك، خط هذا الثوب، فيقول: لا أعرف، فتقول سأعلمك، وأنت حين مرته عارف بأنه لا يعرف، وقدم الصلاة تدريجا لأنها أسهل على النفس من المال، ولأنها أفضل العبادات بعد التوحيد، وقرنها بالزكاة لأنها تطهر النفس من البخل، وتورثها فضيلة الكرم، كما أنها تنمي المال وتطهره من البخل، فإن الزكاة لغة النمو والطهارة، وفيه تلويح بزجرهم عما هم عليه قبل، من الصلاة فرادى بلا ركوع، أو المراد بالركوع الانقياد لأمر الشرع وترك التكبير، كانت اليهود تأمر سرا من أحبوه من قرباهم ومن حلفائهم من الأوس والخزرج، وأصهارهم، ومراضيعهم، ومن سألهم من قريش وغيرهم من العرب باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ويقولون لهم: إنه رسول الله، وهم لا يؤمنون.
[2.44]
{ أتأمرون الناس بالبر } أنواع الخير والطاعات، وترك المحرمات والمكاره، والمراد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه جامع لذلك، وللتوسع فى الخير مع الله والأقارب والأجانب كما هو، أصل البرد المأخوذ من البر بالفتح للقضاء الواسع { وتنسون أنفسكم } تتركونها عمد من البر، فلا تأمرونها به، والاستفهام توبيخ لهم، أو إنكار لأن يصح ذلك عقلا أو شرعا ومحطه قوله وتنسون أنفسكم، { وأنتم تتلون الكتب } التوراة وفيما النهى عن مخالفة القول العمل، فإنها صورة الجاهل بالشرع والخالى عن العقل، إذ كان يعظ ولا يتعظ، وليس عدم العمل مسقطا لفرض الأمر والنهى، فإن لم يعمل ولم يأمر، ولم ينه فقد ترك فروضا، وإن عمل ولم يأمر ولم ينه أو أمر ونهى وترك العمل فقد ترك بعضها، والنسيان مشترك بين الزوال عن الحافظة والترك عمدا، وقيل مجاز فى الترك، لأنه لازم ومسبب عن الزوال عنها، ونكتة التعبير به التلويح إلى أنه لا يليق أن يصدر ذلك إلا لزوال عن الحافظة، يطلع ناس من أهل الجنة على ناس فى النار فيقولون: كنتم تأمروننا بأعمال دخلنا بها الجنة، فيقولون كنا نخالف إلى غيرها { أفلا تعقلون } أى فألا تعقلون قبح ذلك، قدمت الهمزة عن العاطف لتمام صدارتها، أو دخلت على معطوف عليه محذوف، وهكذا فى القرآن، أى أتغفلون فلا تعقلون.
[2.45]
{ واستعينوا } خطاب للمؤمنين لا لليهود، لأنه يليق بمن أذعن فيستكمل به لا للشارد، ولا ينتفع الباقى على كفره بالصبر والصلاة إلا أنه لا مانع من الخطاب لهم مراعاة لقوله أوفوا وآمنوا واتقون، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واركعوا ولا سميا أن ما قبل وما بعد فيهم، والمراد، اطلبوا المعونة على عبادتكم ومباحكم { بالصبر } حبس النفس على الاجتهاد فى العبادة وعما نشتهي من توسيع اللذات وعن المعاصى والمكاره، وعلى المصيبة، ويقال من صبر على الطاعة فله ثلثمائة درجة، أو عن المعاصى فستمائة درجة، أو على المصيبة فتسعمائة، بين الدرجتين ما بين الأرض والسماء، ويقال الصبر على الطاعة أعظم ثوابا من الصبر على المصيبة، وعن المعصية أعظم منها، ولفظ ابن أبى الدنيا وأبى الشيخ، عن على، الصبر ثلاثة: فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبرة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض العليا إلى منتهى الأرضين، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلى منتهى العرش مرتين { والصلوة } قدم الصبر عليها لأنها لا تكون إلا بالصبر عن الكسل والملاذ الصارفة عنها، وعلى وظائفها من الطهارة من الأنجاس، ورفع الأحداث، والخشوع وإحضار القلب، وسائر شروطها، وشطورها، وأفردها بالذكر لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذا أتى بها كما أمر به، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتد عليه أمر بادر إليها، والآية أنسب باليهود، فهم داخلون بالمعنى، ولو عل القول بأن الخطاب لغيرهم، لأنهم منعهم عن الإيمان حب الرياسة والشهوات، فأمروا بالصبر، ومنه الصوم، أو المراد به الصوم، وهو ضعيف، وبالصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتورث الخشوع { وإنها } أى الصلاة لأنها أقرب مذكور، والاستعانة بالصبر والصلاة، كقوله
اعدلوا هو أقرب للتقوى
[المائدة: 8] وقوله تعالى
وإن تشكروا يرضه لكم
[الزمر: 7] أى يرضى الشكر، أو أن الأمور من قوله اذكروا إلى قوله واستعينوا. والراجح الأول { لكبيرة } شاقة، كقوله تعالى:
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه
نامعلوم صفحہ