تیسیر تفسیر

قطب اطفيش d. 1332 AH
186

تیسیر تفسیر

تيسير التفسير

اصناف

، والمراد كنتم فى علم الله، أو فى اللوح، أو بين الأمم، أو فى كتب الله السابقة، لا ما قيل، إن كان مقحم، وأن الأصل أنتم خير أمة، ولا ما قيل أنها لا تدل على عدم سابق أو لاحق، ولو رجح فى نحو هذا المقام، وأما كان الله غفورا رحيما فمعناه كان فى الأزل أو فى اللوح أو نحو ذلك، وما قضى الله لا بد منه فتكون هذه الأمة فى زمانها خير أمة كما قال { خير أمة أخرجت } خلقها الله من العدم، الجملة نعت لأمة، وهو أولى لقربه ومناسبة اللفظ، وإن جعلت نعتا لخير فلوقوعه على أمة ساغ تأنيثه { للناس } لنفعهم متعلق بأخرجت، أو نعت لأمة، وذكر علة الخبرية بقوله { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } بجميع ما يجب الإيمان به، فمن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر مع القدرة فقد أضاع دينه، ولو يم يكن له فضل الأمة، وكأنه من غير أمة الإجابة والأمر والنهى ولو كانا فى الأمم لكنهما فى هذه الأمة أقوى، لأنه باللسان والبراءة الحبس والتغرير والنكال والأدب والقتال والهجران، ومنع أمور عن ذى المنكر، وعدم قبول معروف لبعض أهل المنكر، وآخر الإيمان مع أنه أولى بالتقديم لذاته، وأنه لا يقبل عمل بدونه ليشير إلى أنه علة الأمر والنهى، ولشركة الأمم فيه، ولو أمرت الأمة كلها بشىء أو نهت عنه كان إجماعا وحجة لهذه الآية روى:

" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم كبيركم ولا يرحم صغيركم، ويدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون "

{ ولو ءامن أهل الكتاب } اليهود { لكان } إيمانهم { خيرا لهم } نفعا أو أفضل من كفرهم، وذلك أن كفرهم يدعوهم حسنا، كإنكارهم النبى وصفاته والقرآن، وأخذ الرشا على ذلك، وعلى زعمهم يكون الإيمان بمحمد أحسن، وذلك أن الإيمان فى الآية هو الإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء كالأمر والنهى، فإن الإيمان التام يكون أفضل لو علموا { منهم المؤمنون } بالتوراة كلها والأنبياء كلهم، والكتب كلها قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء آمنوا به وبكتابه كعبد الله بن سلام، وأخيه، وثعلبة ابن شعبة، وكعب الأحبار والنجاشى، أو كفروا قبله وآمنوا حين جاء { وأكثرهم الفاسقون } فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، وكثر إسلام النصارى بعده، وقل إسلام اليهود.

[3.111-112]

{ لن يضروكم إلا أذى } الأذى الضر اليسير، لن يضروكم أيها المسلمون إلا مضرة أذى بطعن فيكم، وفى بعض الأنبياء والتثليث والنبوة لعيسى وعزير، والتحريف والتخويف، وسب من أسلم منهم كما جعله رؤساؤهم ككعب وأبى رافع وأبى ياسر وكنانة وابن صوريا، لعنهم الله عز وجل، أما مضرة قتل وسبى وغنم وضرب ونحو ذلك فلا إلا شاذا، أو الاستثناء منقطع { وإن يقاتلوكم يولكم الأدبار } يصيروكم تالين أقفيتهم وظهورهم ومقاعدهم وبواطن سوقهم لفرارهم قدامكم { ثم لا ينصرون } بدفع بأسكم عنهم، أو تغليهم عليكم، بل يبقون على الذل والهوان، فالترتيب زمانى باعتباره بين المعطوف عليه وأخر أجزاء المعطوف ويجوز أن يكون ترتيب إخبار، وأن يكون ترتيب ربتة، أى وأعظم من ذلك بقاءهم على الذل أبدا، فلا ينشئون قتالا، وإن أنشأوه كانت الدائرة عليهم ثم يكونون، لا يمكن لهم إنشاؤه، لاستحكام الذل عليهم، وهكذا حال قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر وغيرهم، حاربوا المسلمين ولم يثبتوا ولم يقاتلوا شيئا، والعطف على جملة الشرط، والجزاء لا على الجزاء بدليل ثبوت النون، وذلك إخبار بالغيب على طبق الواقع،كما قال الله جل وعلا:

{ ضربت } ألزمت، كقبة بناء محكمة { عليهم الذلة } ضعف القلب فلا يقدرون على نصر أنفسهم، فهم يقتلون ويؤسرون وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم وتؤخذ أرضهم وغيرها، وتؤخذ عنهم الجزية دون ذلك، إن أذعنوا لها ولا ملك معتبر، ولا رئيس معتبر لكفرهم وتمسكهم بالدين المنسوخ وببدعهم، شبه خزيهم بقبة بجامع الإحاطة ورمز إليها يلازمها، وهو الضرب، وهو تخييل فذلك استعارة مكنية تخييلية، أو شبه الإحاطة بالضرب على الاستعارة الأصلية، واشتق منه على التبعية ضرب { أبن ما ثقفوا } وجدوا { إلا بحبل من الله } أى فى جميع الأحوال إلا حال تلبسهم بعهد الله، وهو أيضا حبل من الناس، كما قال { وحبل من الناس } وهما حبل واحد، كان من الله بخلقه، ومن الناس يجريه على أيديهم، وذلك أن يقضى الله أن يكونوا تحت إمام أو رئيس مسلم بالجزية، أو يحسب ما يظهر له مما هو صلاح للإسلام، أو تحت كافر يرد عنهم الظلم، أو حبل الله الجزية، وحبل الناس ما يرضون به منهم، أو حبل الله الإسلام وحبل الناس العهد والذمة إن لم يسلموا، ولم يقل، أو حبل، لأن المراد أنه يكون النوعان تارة هذا وتارة ذاك، وأعنى عن جواب أين ما قبلها، ولا تقل محذوف دل عليه ما قبله، إذ لا دليل على أن المراد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ضربت عليهم الذلة بالتكرير وأنه حذف الثانى للأول { وبآءوا } رجعوا، وهو كناية عن استحقاقهم بما ذكر بعده من الغضب كما قال { بغضب } إرادة الانتقام، أو نفس الانتقام { من الله وضربت عليهم المسكنة } مثل ضربت عليهم الذلة، ألزموا صورتها كلهم، أغنياؤهم وفقراؤهم، لئلا يطالبوا بمال، أو ليطلبوا بقليل لا كثيرا، والمراد أنه يكون أكثرهم فقراء ومساكين { ذلك } ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بغضب { بأنهم كانوا يكفرون بأيآت الله } يكفرون ببعض التوراة وبالإنجيل والقرآن { ويقتلون الأنبيآء بغير حق } تأكيد، لأن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، أو بغير حق فى علمهم أيضا، وإذا ذمت اليهود مثلا بما لم يفعلوا فلرضاهم بفعل أوائلهم، ولأنهم لو وجدوا لفعلوا، ألا ترى أنهم تعاطوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم بالصخرة وبالسم وغير ذلك، أو ذم ذلك الجنس العاصى، بأن فيهم فعل كذا وفعل كذا، ولو تفرقت تلك الأفعال فيهم، ولا يدخل مسلمهم فى { ذلك } أى ما ذكر من قتلهم الأنبياء بغير حق، وكفرهم بآيات الله، أو ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب، فيكون عللهن بالكفر والقتل وبالعصيان والإعتداء، والأول أولى { بما عصوا } أى عصوا الله، والصغيرة تجر إلى الكبيرة، والكبيرة إلى الشرك، يضعف بالصغيرة فيفسق، فيزيد ضعفا فالفسق فيشرك، ومثل ذلك أن يترك السنة فيؤديه إلى ترك الفرض، فيؤديه تركه إلى احتقار الشريعة فيشرك { وكانوا يعتدون } أى ذلك بعصيانهم وكونهم يعتدون، يتجاوزون الحدود فيتناولون الحرام، ولهم فى الحلال غنى، ولا حرام إلا بإزائه حلال مغن عنه.

[3.113]

{ ليسوا } أى أهل الكتاب المذكورون فى قوله تعالى:

ولو آمن أهل الكتاب

[آل عمران: 110] { سوآء } فى المعاصى، بل منهم من أصر على الكفر ومنهم من أسلم، نزلت الآية حين سب اليهود من أسلم منهم، وقالوا: ما أسلموا إلا لأنهم من أشرارنا { من أهل الكتاب أمة قآئمة } مستقيمة عادلة، وهم الذين أسلموا منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قبله، ثم آمنوا به بعد مجيئه أو قبله، وماتوا قبله، والجملة مبينة لعدم تساويهم، كما أن قوله: تأمرون بالمعروف الخ مبين لقوله: كنتم خير أمة، ومعادلها محذوف يقدر بعد قوله من الصالحين هكذا، ومنهم من ليس كذلك وليسوا من الصالحين، ومن عادة العرب الاستغناء بذكر أحد الضدين عن الآخر، والآية كقوله:

نامعلوم صفحہ