وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض
[البقرة: 11] فهو بالكذب والنميمة والغيبة والسرقة والصد عن دين الهل، والإهلاك خصه هنا بالحرث والنسل، تخصيصا بعد تعميم، وهذا أولى من جعل الإفساد فى الأرض إهلاكهما مع تفسير الإفساد بالإهلاك المذكور وذلك كما روى أن الأخنس مر بحرث ثقيف ومواشيهم ليلا وهم مسلمون، فأحرق زرعهم وعقر مواشيهم فى أرجلها، ويقال إنها الحمر، والنسل الحيوان ولو كبير السن، وأصحاب الحرث والنسل مسلمون. وكا يفعل ولاة السوء من إهلاك الحرث والنسل وكما تظلم الولاة فيمنع الله المطر فيهلك الحرث والنسل بالقحط، أو يرسل مطرا مفسدا لهما، أو طاعونا فى النسل وضررا فى الحرث. لشؤم الظلم، قال صلى الله عليه وسلم،
" أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم "
قال أبو الدرداء، كفى بك إثما أن لا تزال مماريا، وكفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا إلا حديثا فى ذات الله عز وجل { والله لا يحب الفساد } أى لا يقبله فهو يعاقب عليه.
[2.206]
{ وإذا قيل اتق الله } بترك الإفساد والمضار { أخذته العزة } احترت عليه العظمة التى فى قلبه لنفسه والأنفة حتى صار كالمأخوذ وذلك مجاز لأن أصل العزة خلاف الذل { بالإثم } بمواقعة ما هو ذنب وأغرته عليه؛ فيفعله لخصام من يأمره بتقوى الله عز وجل؛ أو مع الإثم أو بسبب الإثم، أو أخذت بمعنى أسرت، كما يقال للأسير أخيذ أى جعلته حمية الجاهلية أسيرا بحبل هو الإثم، وفى الآية ذم لمن يغضب إذا قيل له اتق الله، قال بعضه: ولا يعزر الفاضى من قال له، ويعزر من قال له اعدل، وعن ابن مسعود: من أكبر الذنب أن يقول الرجل لمن قال له اتق الله تعالى، عليك بنفسك، عليك بنفسك { فحسبه } كافيته اسم فاعل لا اسم فعل، بمعنى كفته لوقوعه اسما، لأن فى قوله عز وجل فإن حسبك الله { جهنم } نارها وزمهريرها، والكفاية هنا تهكم، لأنها صرف السوء أو الشىء أو فى الخير، أو بمعنى الكفالة بجزائه، ووزنه فعنلل بزيادة النون إلحافا للرباعى الأصول بخماسيها، من قوله " بئر جهنام " أى بعيدة القمر، وذلك من الجهم، وهو الكراهة، وقيل وزنه فعنل كدونك لموضع، وخفنك للضعيف، وقيل النون أصل فهو خماسى حروفه أصول وزنه فعلل بشدة الللام الأولى كعرندس، وقيل جهنم فارسى أصله كهنام فعرب { ولبئس المهاد } جهنم، والمهاد بمعنى الفراش، أو ما يمهد للنوم تهكم.
[2.207]
{ ومن الناس من يشرى } يبيع { نفسه ابتغآء مرضات } طلب رضى { الله } بالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى يصاب بضرر أو يقتل، فالشراء لنفسه، بدلها الله، سلمت أو تلفت أو أصابه ضر إلا أن المناسب لسائر الآيات المفسرة بالقتل كقوله تعالى:
إن الله اشترى من المؤمنين
[التوبة: 111] أن يراد هنا أنه قتل شهيدا وقد قيل نزلت فى صهيب بن سنان الرومى عذبه المشركون ليرتد فقال: إنى شيخ كبير، لا أنفعكم ولا أضركم، خذوا مالى وخلونى، ففعلوا، وهو من العرب، ونسب للروم لأن الروم أسرته صغيرا ونشأ فيهم، وذلك شراء لنفسه من جهنم بماله، لأنه أبدله ليبقى إسلامه، لا يرتد ولا ينقص ولا حاجة لهذا على إبقاء الشراء على ظاهره، ولما حلوه هاجر للمدينة، وروى أنه هاجر فتبعته جماعة من المشركين، فنزل عن راحلته فنثر ما فى كنانته، وأخذ قوسه، فقال: يا معشر قريش لقد علمتم أنى من أرماكم، والله لا تصلون إلى حتى أرمى بما فى كنانتى وأضرب بسيفى ما بقى منه شىء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على حالى بمكة، فرفضوا، فدلهم، وقيل لما قال لهم ذلك رغبوا عن قتاله، فقالوا له، دلنا على مالك وبيتك فعاهدوه، فدلهم فخلوه، ونزلت الآية، وأخبرهم النبى صلى الله عليه وسلم قبل قدومه واستقبله عمر رضى الله عنه وقال يا صهيب، ربح البيع، وتلا عليه الآية، ولا تضعف هذه الرواية لانتقاء المقابلة لأنا نقول لم تنتف لأن صهيبا اشترى نفسه طالبا لمرضاة الله، يقبل الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا تأخذه العزة، ولا ينهى عن المعروف ولا يأمر بالمنكر وهاجر إلى ذلك، فذلك مقابلة تامة، ثم إن المقابلة ليست لازمة، وقيل نزلت فى الزبير والمقداد إذ خرجا إلى تنزيل خبيب من الخشبة التى صلبه عليها أهل مكة { والله رءوف بالعباد } إذا أرشدهم إلى مثل هذا الشراء المورث للثواب الوافر وجعل النعيم الكثير جزء لعلم قليل منقطع، ولم يكلف مالا يطالق أو ما فيه عسر، وأنه يغفر التائب ولو عبد الصنم ألف عام، ومات عقب توبته، وأن المال والنفس له ويشترى ملكة بملكه.
نامعلوم صفحہ