الرابع: أن نون الوقاية تتصل بها كقولك: إنني كما تقول: ضربني.
وقال: (باب معرفة الأسماء المنصوبة) وإنما ذكر المنصوب بعد المرفوع لوجهين: أحدهما: أن المنصوب والمرفوع يعملان لعامل واحد كالفاعل والمفعول والاسم والخبر - والثاني: أن كل واحد من المرفوع والمنصوب يكون صاحبه في المعنى في باب المفاعلة كقولك: ضارب زيد عمرًا.
وأكتفى بهذا القدر من النماذج التي توضح لنا مدى اهتمام ابن الخباز بتعليل الأحكام وتوجيه المسائل، وهي كثيرة جدًا في كتابه، وهذا بحق اتجاه حسن يمكن الأحكام من الأذهان، ويزيل الغموض الذي يكتنفها، ويكشف الإبهام الذي يحيط بها، وبذلك يسهل استيعاب المعلومات وإدراك كنه الحقائق.
٦ - الاستشهاد بالقرآن وقراءته:
ما من نحوي إلا وله باع طويل في التزود بالقرآن والارتشاف من رحيقه والاقتطاف من شهي ثماره، وآية ذلك احتجاجهم على القواعد النحوية والأحكام العربية بالكثير من الآيات القرآنية، ومؤلفاتهم بين أيدينا شاهد عدل على ذلك ...
ولكن موقفهم من قراءات القرآن كان موقفًا عكسيًا، حيث إنهم كانوا يحتجون بها إذا وافت قواعدهم، وتطابقت مع أحكامهم، أما إذا خالفتها وانفردت بحكم جديد، رموها بالشذوذ، مع أن قراءات القرآن كلها حتى ما يعتبرونه شاذًا في نظرهم أقوى سندًا من كل ما يحتجون به من كلام العرب. وقد أجمع الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قياسًا معروفًا، بل ولو خالفته يحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه، وإن لم يجز القياس عليه، كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته للقياس في ذلك الوارد بعينه ولا يقاس عليه نحو: استحوذ.
ولقد كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، والحقيقة أنهم مخطئون في ذلك، لأن قراءات هؤلاء ثابتة بالأسانيد الصحيحة المتواترة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل جوازه في العربية، وقد رد المتأخرون ومنهم ابن مالك على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد.
ومن النظر في كتاب «توجيه اللمع» ندرك من أول وهلة أن ابن الخباز قد استشهد - كغيره من النحاة - بكثير من الآيات القرآنية وقراءتها بغية دعم الأحكام النحوية وتصويرها
1 / 43