87

تاویلات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

اصناف

" ليس الدين بالتمني "

وقال:

" بعثت لرفع العادات ودفع الشهوات ".

وقد قيل: الدنيا والآخرة امرأتان ضرتان، فمن يطلب الجمع بينهما فممكور، ومن يدعي الجمع بينهما فمغرور، ومن كان له في كل ناحية خليط ومن كل زاوية من قلمه ربيط كان نهبا لأطوار يتقاوم قوم وينزل في قلبه كل فقه فقلبه أبدا خراب لا يهنأ له عيش دلالة في التحقيق. وليس من رام مع متابعة الهوى البلوغ إلى الدرجات العلى فهو كالمستهزئ بطريق هذا الفريق، وكم في هذا البحر من أمثاله غريق، فظاهر الأمر يقتضي أنهم { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون } [البقرة: 14]، ولكن حقيقة الأمر تدل على أن: { الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [البقرة: 15]، لأن دواعي استهزائهم بأهل الدين وازدرائهم بأرباب اليقين من نتائج الخذلان، فإن الله يكلهم إلى أنفسهم فتأمرهم النفس الأمارة للاستهزاء وتحملهم على الازدراء فلو لم نجد لهم الحق وأدركتهم الرحمة لما أمرتهم بسوء الاستهزاء والازدراء، كما قال:

إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي

[يوسف: 53] ومن الخذلان { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [البقرة: 15]، أي يمهلهم في طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوزوا في طلبها حد الاحتياج إليها ويفتح أبواب المقاصد الدنيوية عليهم يستغنوا بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانهم.

كما قال تعالى:

إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى

[العلق: 6-7]، فكانت جزاء سيئة ترددهم في الدين وثوابهم في طلب الاستهزاء وجزاء سيئة الاستهزاء الخذلان والإمهال إلى أن طغوا وجزاء سيئة الطغيان العمى ، فيترددون في الضلالة متحيرين لا سبيل لهم إلى الخروج إلى الحق وجزاء سيئة العمى قوله تعالى: { أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } [البقرة: 16].

والإشارة في تحقيق الآية أن من نتيجة طغيانهم وعمههم أن رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وأشربوا في قلوبهم الضلالة واستودعت عن حسن استعدادهم الفطري القابل للضلالة والهداية حتى يطلب قابليته الهداية وبدلت بالضلالة، ولما كان لهم هذا الحال من نتيجة معاملتهم أضاف الفعل إليهم وقال: { ولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى } [البقرة: 16].

نامعلوم صفحہ