تاویلات
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
اصناف
تعرفهم بسيماهم
[البقرة: 273]، فظهر أن الاختلاف من تناكر الأرواح، فلما كان بين الأرواح المؤمنين تعارف روحاني، ناصرهم العداوة الجسمانية الحادثة؛ كقوله تعالى: { إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم } [آل عمران: 19]، إشارة إلى: إن العلم مظنة الحسد.
واعلم أن حسد أهل العلم قسمان: مذموم ومحمود، وقال صلى الله عليه وسلم:
" لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه مالا فسلطه على هلكته في حق، ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها "
، متفق على صحته، رواه ابن مسعود رضي الله عنه، فالمراد من الحسد هاهنا: الغبطة أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل ما لأخيه فيعمل به مثل ما يعمل أخوه، فهذا النوع من الحسد محمود، والمذموم: أن يتمنى الرجل ما لأخيه وعلمه لنفسه وزوالها لأخيه، { ومن يكفر بآيات الله } [آل عمران: 19]، بكتاب الله تعالى ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم، والبراهين الواضحة والدلائل اللائحة بالحد، وطلب الجاه والرفعة في الدنيا وعلو المرتبة على الإخوان، { فإن الله سريع الحساب } [آل عمران: 19]؛ أي: يحاسبه بالعقاب سريعا في الدنيا عاجلا بأن يعاقبه بقسوة القلب وسواده، والبعد عن الحق ونسيانه واستيلاء الشيطان وسلطانه، واستيلاء الدنيا والحرص عليها، ومتابعة النفس وهواها، وآجلا: بأن يعذبه بعذاب الحجاب وشدة العقاب.
ثم أخبر عن شرط الإسلام إنه التسليم، وليس على النبي صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ والتعليم بقوله تعالى: { فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله } [آل عمران: 20]، إشارة في الآية: إن حقيقة الإسلام والدين هو الاستسلام بكلية الوجود إلى الله تعالى، راضيا بقضائه صابرا على بلائه، شاكرا للنعماء به، منقادا لأوامره، منزجرا لنواهيه، محكوما لأحكامه الأزلية، مريدا لإرادته القديمة، مفوضا إليه أمر الدنيوية والأخروية، وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولمن اتبعه، { فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن } [آل عمران: 20]، ولا يصلح الاستسلام والمتابعة للعبد إلا بهذا الشرط، بهذا يصح الإقتداء وعلى هذا يكون الاهتداء، كما قال تعالى: { وقل للذين أوتوا الكتب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا } [آل عمران: 20]، بهذا الشرائط { فقد اهتدوا وإن تولوا } [آل عمران: 20]، عن هذه الشرائط { فإنما عليك البلغ } [آل عمران: 20]؛ أي: عليك التبليغ بهذه المعاني والشرائط إلى قلوبهم
بالحكمة والموعظة الحسنة
[النحل: 125]، وتصرفات النبوة ظاهرا وباطنا { والله بصير بالعباد } [آل عمران: 20]، من يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الضلالة فيجد له في الضلالة.
ثم أخبر عن غاية جهالة أهل الضلالة بقوله تعالى: { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران: 21]، الإشارة في الآيتين: إن لقلب الإنسان في إبطال استعداد قبول فيض الحق مراتب منها: بالحجبة من الفيض، فإذا زال الحجاب رجع إلى صفاته؛ وهو المعاصي يحجب القلب عن الفيض: كالسحاب تحجب الأرض عن فيض الشمس، فإذا أزال السحاب رجع الفيض، كذلك إذا زال الحجاب المعاصي عن القلب بالتوبة، رجع إليه فيض الحق، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "
نامعلوم صفحہ