268

تاویلات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

اصناف

فلذلك أقول حق القلم على علم الله فلما خلق الله تعالى استعداد وجود العباد والمقبولين قابلا لفيض نوره استخصهم بفضل عام وفضل خاص فأما العام: فبما خصهم عن الخلق المردودين بفضل قبول فيض النور فأخبر عنهم بقوله تعالى:

إن الذين سبقت لهم منا الحسنى

[الأنبياء: 11].

وأما الفضل الخاص: فبما خص بعضهم عن بعض بزيادة كماليته استعداد الوجود في قبول فيض النور فإن التفاوت في الأنوار على قدر التفاوت في الظلمات المخلوقية المستعدة لقبول فيض النور في بدء الخلقة لا في حقيقة النور فإنه موصوف بالوحدة لا تعدد فيه ولا في تفاوت بالزيادة والنقصان، وإن التعدد والتفاوت في الحقيقة راجع إلى الظلمة لا إلى النور؛ ولهذا ذكر الله تعالى النور في مواضع من القرآن بلفظ الواحد أن

يخرجهم من الظلمات إلى النور

[المائدة: 16] وأمثالها كثيرة فافهم جدا.

ثم إن فضيلة كل صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره لأن الرفعة في الدرجات على قدر قوة الاستعلاء كما قيل: " ازدياد العلم رفعة الدرجة " فناهيك عن هذه المعاني قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن المعراج أنه رأى آدم عليه السلام في السماء الدنيا، ويحيى وعيسى عليهما السلام في السماء الثانية، ويوسف في السماء الثالثة ، وإدريس في السماء الرابعة، وهارون في السماء الخامسة، وموسى في السماء السادسة، وإبراهيم في السماء السابعة عليهم الصلاة والسلام.

وعبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى رفع إلى سدرة المنتهى ومن ثمة إلى قاب قوسين أو أدنى فهذه الرفعة في الدرجات والقربة إلى الحضرة كانت له على قدر قوة ذلك في استعلاء ضوئه على قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود، كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض لما غلب نور الوحدانية على ظلمة إنسانية النبي صلى الله عليه وسلم فاضمحلت وتلاشت وفنيت ظلمة وجوده بسطوات تجلي صفات الجمال والجلال، فكل نبي بقدر ظلمة وجوده بقي في مكان من أماكن السماوات، فإنه صلى الله عليه وسلم ما بقي في مكان ولا فيه مكان؛ لأنه كان فانيا عن ظلمة وجوده، باقيا بنور جوده ولهذا سماه الله تعالى: نورا وقال:

قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين

[المائدة: 15] فالنور محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب هو القرآن فافهم واغتنم فإنك لا تجد هذه المعاني إلا هاهنا والله أعلم.

نامعلوم صفحہ