131

تاویلات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

اصناف

[الأعراف: 99].

{ ذلكم خير لكم عند بارئكم } [البقرة: 54] يعني: قتل النفس بسيف الصدق ألف مرة خير لكم؛ لأن بكل قتلة رفعة درجة لكم عند بارئكم، فأنتم تقربون إلى الله تعالى بقتل النفس وقمع الهوى وهو يتقرب إليكم بالتوفيق للتوبة والرحمة عليكم، كما قال تعالى:

" من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا "

، وذلك قوله تعالى: { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } [البقرة: 54]، أخبر عن سوء أعمالهم بمقالهم في قوله تعالى: { وإذ قلتم يموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [البقرة: 55]، الآيتين، الإشارة فيهما أن مطالبة الرؤية جهرة هي تعرض مطالعة الذات المقدسة، فتوجب سوء الأدب وترك الحرمة، وذلك من أمارات البعد والشقاوة، فمن سطوات العظمة والعزة أخذتهم الرجفة والصعقة إظهارا للعدل، ثم من سنة الكرم قاصد عليهم بحال النعم إسبالا للستر على هيئات العبيد والخدم فقال: { فأخذتكم الصعقة وأنتم تنظرون } [البقرة: 55]، { ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } [البقرة: 56]، إظهارا للفضل.

ثم أخبر عن نتائج الكرم بأنواع النعم بقوله تعالى: { وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى } [البقرة: 57]، والإشارة: لما ابتلاهم بألسنة العزة وأدبهم بسوط القوة، أدركهم بالرحمة في وسطة الكربة، فأكرمهم بالإنعام وظللهم بالغمام ومن عليهم بالمن وسلاهم بالسلوى، فما ازدادوا بشؤم الطبيعة ولؤم الوقيعة إلا في البلوى، كما قيل: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة: 57]، بأمر الشرع { وما ظلمونا } [البقرة: 57]، إذ تصرفوا فيها بالطبع { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [البقرة: 57]، بالحرص على الدنيا ومتابعة الهوى.

[2.58-63]

ثم أخبر عن خروجهم من تيه البلاء ودخولهم قرية الابتلاء لقوله تعالى: { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } [البقرة: 58]، الآيتين والإشارة فيهما: أن الله تعالى لما علم من طينة الإنسان أن الأفعال والأقوال الطبيعية تنبت وتقوي ظلمة البشرية، وتزيد في حجب الروح العلوي أمرهم بالأفعال والأقوال الشرعية التي مودعة فيهما أنوار الشرع؛ لتكون مزيلة لتلك الظلمات الطبيعية، فلما أراد بنو إسرائيل أن يدخلوا قرية ويأكلوا من ثمارها وهذه القرية { فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا } [البقرة: 58] ليكون سجودكم مكفرا لخطايا أعمالكم الطبيعية { وقولوا حطة نغفر لكم خطيكم وسنزيد المحسنين } [البقرة: 58]، الذين يطيعوننا في أنوار إيمانهم وإحسانهم.

فلما أخبر بنو إسرائيل سوء أفعالهم وبدلوا ما أمروا من مقالهم وظلموا على أنفسهم بأعمالهم وأقوالهم، { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا } [البقرة: 59]، بالقول والعمل { رجزا من السمآء } [البقرة: 59]، عذابا مهلكا في الدنيا وحجابا مبعدا في الآخرة { بما كانوا يفسقون } [البقرة: 59]، عن أمر ربهم ويتبعون أهواء أنفسهم، كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء لتجري عليه أحكام القضاء فامتحن بأنواع المحن والوباء.

ثم أخبر عن إتمام النعماء بإجابة الدعاء عند الاستسقاء بقوله تعالى: { وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر } [البقرة: 60]، والإشارة فيها أن الروح الإنساني وصفاته في عالم الغيب بمثابة موسى وقومه وهو يستسقي ربه ليرويها من ماء الحكمة والمعرفة، وهو مأمور بضرب عصا " لا إله إلا الله " ، ولها شعبتان من النفي والإثبات، فتتقدان نورا عند استيلاء ظلمات صفات النفس، وقد حمل من جنة حضرة العزة على حجر القلب الذي كالحجارة أو أشد قسوة، { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } [البقرة: 60]، من ماء الحكمة لأن كلمة: " لا إله إلا الله " اثنا عشر حرفا كل حرف عين { قد علم كل أناس مشربهم } [البقرة: 60]، سبط من أسباط الصفاء الإنساني، وهم اثنا عشر سبطا من الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة والقلب والنفس، ولكل واحد حيث ساقه سائقه، وقاده قائده، فمشرب عذب فرات ومشرب ملح أجاج؛ فالنفوس ترد مناهل المنى والشهوات، والقلوب تشرب من مشارب النفي والطاعات والأرواح تشرب من زلال الكشوف والمشاهدات، والأسرار تروى من عيون الحقائق بكأس تجلي الصفات عن ساقي

وسقاهم ربهم شرابا طهورا

نامعلوم صفحہ