114

تاویلات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

اصناف

وكان من كمال حال آدم عليه السلام أن أسماء الله تعالى جاءت على منفعته ومضرته ومصلحته ومفسدته فضلا عن أسماء غيره، وذلك أنه لما كان مخلوقا كان الله خالقا، ولما كان مرزوقا كان الله رازقا، ولما كان عبدا كان الله معبودا، ولما كان معيوبا كان الله ستارا، ولما كان مذنبا كان الله غفارا، ولما كان تائبا كان الله توابا، ولما كان منتفعا كان الله نافعا، ولما كان متضررا كان الله ضارا، ولما كان ظالما كان الله عدلا، ولما كان مظلوما كان الله منتقما له، فعلى هذا قس الباقي، فلما أظهر من آدم ما كان خفيا ومغيبا فيه من إنباء الأسماء، قال الله تعالى: { قال ألم أقل لكم } [البقرة: 33]، حين قلتم: { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [البقرة: 30]، { إني أعلم غيب السموت } [البقرة: 33]، أي غيب أهل السماوات وهم الملائكة وغيبهم ما غاب عنهم من احتياجهم لآدم في إنباء الأسماء { والأرض } [البقرة: 33]، أي غيب أهل الأرض هو آدم وغيبه ما كان مغيبا مخفيا فيه من إنباء الملائكة بالأسماء { وأعلم ما تبدون } [البقرة: 33]، من الطعن في آدم واستحقاقه الخلافة، وإظهار طاعتكم بالتسبيح والتقديس تفاخرا به على آدم عليه السلام: { وما كنتم تكتمون } [البقرة: 33]، من غيرتكم على آدم، وحسبان استحقاقكم الخلافة.

فلما أظهر عليهم من أمر آدم خلاف ما تصوروا فيه ومن أمرهم غير ما توهموه، أمرهم بالسجود لآدم إظهارا لاستغنائه عن طاعات المخلوقين وعصيانهم وشركهم وكفرانهم؛ لأنه ليس كفران ومعصية أكبر من السجود لغيره، واستغفارا لله باعتراضهم عليه وقالوا: { قالوا أتجعل فيها } [البقرة: 30]، واعتذارا من آدم عليه السلام عن قولهم { من يفسد فيها } [البقرة: 30]، وانكسارا لأنفسهم بإظهار { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } [البقرة: 30].

[2.34-40]

ثم أخبر بقوله تعالى: { وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لأدم } [البقرة: 34]، والإشارة في تحقيق الآية أن في قوله { اسجدوا } ثلاثة معان:

أحدهما: إنكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية والروحانية { اسجدوا لأدم } [البقرة: 34]، خلافا للطبيعة بل تعبدوا رقا وانقيادا للأمر وامتثالا للحكم.

والثاني: { اسجدوا لأدم } [البقرة: 34]، تعظيما لشأن خلافته وتكريما لفضيلته المخصوصة به، وذلك لأن الحق تعالى يتجلى فيه، فمن يسجد له فقد سجد لله تعالى، كما قال تعالى في حق حبيبه صلى الله عليه وسلم:

إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله

[الفتح: 10].

والثالث: { اسجدوا لأدم } [البقرة: 34]، أي: لأجل آدم عليه السلام وذلك لأن طاعتهم وعبادتهم ليست موجبة لثوابهم وترقي درجاتهم، وفائدتها على الحقيقة راجعة إلى الإنسان لمعنيين.

أحدهما: إن الإنسان يقتدي بهم في الطاعة، ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر، وينزجر عن الإباء والاستكبار كيلا يلحق به اللعن والطرد كما لحق بإبليس، ويكون مقبولا ممدوحا مكرما كما كان الملائكة في امتثال الأمر؛ لقوله تعالى:

نامعلوم صفحہ