الله الْحق ليعلم بِهِ قدرته وسلطانه فَإذْ لم يفعل بَان أَن الله المتوحد بالإلهية والمتفرد بالربوبية وَذَلِكَ معنى قَوْله ﴿وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق﴾ وَكَذَلِكَ قَوْله ﴿أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه﴾
ثمَّ وَجه الإصطلاح يدل على الْعَجز وَالْجهل مَعَ مَا لَو كَانَ كَذَلِك لم يكن الْأَمر لوَاحِد فِي نسبه الْخلق وتحقيقه لَهُ إِلَّا من حَيْثُ يقهرهم ويدخلهم تَحت قدرته وصنعه وَالله الْمُوفق
وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه لَا يَخْلُو من أَن يقدر على فعل يسره من الآخر أَو لَا وَكَذَلِكَ الله سُبْحَانَهُ مِنْهُ فَإِن قدرا جَمِيعًا ملك كل وَاحِد مِنْهُمَا تجهيل الآخر وَفِي ذَلِك زَوَال الربوبية وَإِن لم يقدرا عجز كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْعجز يسْقط الألوهية أَو قدر أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ الرب وَالْآخر مربوب مَعَ مَا كَانَ علم الْغَيْب علم الربوبية فَمن لَيْسَ لَهُ فَهُوَ مربوب ثمَّ لَا يَخْلُو أَيْضا من قدرَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على غَيره فِي منع مَا يروم الْفِعْل بِغَيْرِهِ ويريده أَولا فَيكون فيهمَا إِمْكَان خُرُوج كل عَن الْقُدْرَة وَتَحْقِيق عجز وَذَلِكَ يسْقط الربوبية أَو يقدر الْوَاحِد خَاصَّة فَيكون هُوَ الرب سُبْحَانَهُ
وَأما دلَالَة الإستدلال بالخلق فَهُوَ أَنه لَو كَانَ أَكثر من وَاحِد لتقلب فيهم التَّدْبِير نَحْو أَن تحول الْأَزْمِنَة من الشتَاء والصيف أَو تحول خُرُوج الْإِنْزَال وينعها أَو تَقْدِير السَّمَاء وَالْأَرْض أَو تسيير الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم أَو أغذية الْخلق أَو تَدْبِير معاش جَوَاهِر الْحَيَوَان فَإذْ دَار كُله على مَسْلَك وَاحِد وَنَوع من التَّدْبِير وإنساق ذَلِك على سنَن وَاحِد لَا يتم بمدبرين لذَلِك لزم القَوْل بِالْوَاحِدِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَالثَّانِي أَن الْأَجْنَاس على اختلافها وتباعد مَا بَينهَا من نَحْو السَّمَاء وَالْأَرْض وأطراف الأَرْض وَجعل أرزاق أَهلهَا مُتَّصِلَة بالمنافع حَتَّى كَانَ كل أَنْوَاع
1 / 21