الصحة والأصحية ليستا بالنظر إلى ذات الشيخين بل بالنظر إلى رجال كتابيهما ثم لا يخفي أيضا أن كون من تكلم فيهم من رجال البخاري أقل ممن تكلم فيهم من رجال مسلم لا يقتضي أصحية أحاديث البخاري مطلقا غاية ما يقتضيه أن الصحيح فيه أكثر وليس محل النزاع على أن في شرطه اللقاء ولو مرة واحدة بحثا وهو أنه قد يكثر الشخص الحديث عمن لاقاه بحيث يعلم يقينا أنه لا يتسع لأخذه عنه تلك الأحاديث في الموقف الذي انحصر فيه اللقاء فلابد من تقييد ذلك بزيادة أن يتسع زمان اللقاء لكن ما عنه روي ثم رأيت بعد أيام مسلما قد ألزم البخاري حيث شرط اللقاء بهذا الإلزام في مقدمة صحيحه ورأيت الحافظ ابن حجر قد التزم هذا وقال يكفي اللقاء ولو مرة واحدة ولو كان بعض ما يرويه عمن لاقاه لا يستحق سماعه منه وسيأتي لنا ولم يقيد كلام البخاري بما قيدناه به من قولنا إن اتسع ... إلى آخره.
وإذا عرفت هذا فقد عاد إلى مجرد المعاصرة على أن المعاصرة لا تكفي مطلقا بأن يكون أحدهما في بغداد والآخر في اليمن بل لابد من تقارب المحلات ليمكن اتصال الرواة إلا كان من باب الإجازة والمكاتبة ولعلهم لا يكتفون به هنا.
واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاه الراوي لمن عنعن عنه وأطال مسلم في رد كلامه والتهجين عليه ولم يصرح أنه البخاري وإنما اتفق الناظرون أنه أراده ورد مقالته ثم قال إن كل حديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روي الراوي قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له نه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث ثم قال إن هذا هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أكل رجل ثقة روي عن مثله وجائز ممكن لقاءه والسماع منه لكونهما كانا جميعا في عصر واحد ولم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلى آخر كلامه وقد نقلنا فيما يأتي في بحث العنعنة.
إذا عرفت هذا عرفت أن الخلاف بين الشيخين في رواية العنعنة لا غير وهو الذي أفاده الحافظ في قوله ومن مرجحات البخاري أن مسلما صرح إلى آخره فشرط البخاري فيها اللقاء ومسلم المعاصرة وحينئذ فلا يرجح البخاري برمته على مسلم برمته بهذا الشرط بل يقال عنضة البخاري أصح وأرجح من عنعنة مسلم فالعجب كيف
1 / 47