المعروف بابن دقيق العيد١ "في" كتابه المسمى "الاقتراح في هذين الشرطين نظر" أي في ذكرهما في رسم الصحيح "على مقتضى نظر الفقهاء" لا على مقتضى نظر أئمة الحديث وقد صرح بهذا المفهوم بقوله "إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح" "فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء" فليست عندهم شرطا في صحة الحديث.
واعلم أن بعض المحدثين يردون الحديث بالعلل سواء كانت قادحة أو غير قادحة كما صرح به الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح حيث قال وأما الفقهاء فلا يردونه إلا بالعلة القادحة كما ذكره الشيخ تقي الدين بقوله فإن كثيرا من العلل إلى قوله لا تجري على أصول الفقهاء٢ فإن فيه ما يدل أن قليلا منها تجري على أصولهم وهي العلل القادحة لا غير القادحة.
قال الحافظ وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة أي عند الفقهاء فكثيرة منها أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثله عن صحابي حديثا فيرويه عدل ضابط مثله مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر فإن هذا يسمى علة عندهم أي المحدثين لوجود لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من الصحابيين معا ومن هذا جملة كثيرة انتهى.
قلت: كلام الشيختقي الدين تنظير على شرطي السلامة من الشذوذ من العلة ولم يبين وجه النظر إلا في اشتراط السلامة من العلة دون الشذوذ فالعلة قاصرة عن المدعي ثم لا يخفى أنه قد حصل مما ذكر أن اصطلاح الفقهاء في صحة الحديث غير اصطلاح المحدثين إذ المحدثون يشترطون خلوه من العلة مطلقا والفقهاء يشترطون خلوه من العلة القادحة فهو اصطلاحهم أخص منه باصطلاح الفقهاء وإذا كان كذلك فلا يتم جمع الخاص والعام في رسم واحد فاعتراض الشيخ تقي الدين على رسم المحدثين بأنه غير موافق لاصطلاح الفقهاء غير وارد بل لا بد من مخالفة الرسمين.
_________
١ التقي محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد الإمام الفقيه الحافظ شيخ الإسلام. كان من أذكياء زمانه، واسع العلم، مديما للسهر، لم تر العيون مثله. مات سنة "٧٠٢" له ترجمة في: شذرات الذهب "٦/٣١٧"، والوافي بالوفيات "٤/١٩٣".
٢ انظر "فتح المغيث"، "١/١٦".
1 / 20