96

فإن استعان عليه بمن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم، وانتشر، وصار ذلك الواسطة ديوثا ظالما، وكفى بالدياثة إثما، فيتساعد العاشق والديوث على ظلم المعشوق، وظلم غيره ممن يتوقف حصول غرضه على ظلمه في نفس، أو مال، أو عرض؛ فكثيرا ما يتوقف المطلوب فيه على قتل نفس تكون حياتها مانعة من غرضه، وكم من قتيل أهدر دمه بهذا السبب من زوج، وسيد، وقريب، وكم أفسدت امرأة على بعلها؛ فإذا كان للمعشوق زوج تضاعف الأذى وازداد؛ فظلم الزوج بإفساد حبيبه، والجناية على فراشه أعظم من ظلمه بأخذ ماله كله؛ ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه أخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده حتى سفك دمه.

فإن كان ذلك حقا لغاز في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة، وقيل له: =خذ من حسناته +.

كما أخبر بذلك رسول الله"ثم قال رسول الله": =فما ظنكم؟ + (259).

أي فما تظنون يبقي له من حسناته؟

فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جارا، أو ذا رحم محرم_تعدد الظلم، فصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم، وأذى الجار.

فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين من الجن_إما بسحر، أو استخدام، أو نحو ذلك_ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر.

فإن لم يفعله هو، ورضي به_كان راضيا بالكفر، غير كاره لحصول مقصده به، وهذا ليس ببعيد عن الكفر.

والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان.

وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه بمعاونته على الفاحشة، وظلمه لنفسه_ما فيه، وكل منهما ظالم لنفسه وصاحبه، وظلمهما متعد إلى غيرهما كما تقدم.

ثم إن المعشوق قد يعرض العاشق للتلف؛ حيث يطمعه في نفسه، ويتزين له، ويستميله بكل طريق؛ حتى يستخرج منه ماله، ونفعه.

والعاشق ربما قتل معشوقه؛ ليشفي نفسه منه، ولا سيما إذا جاد بالوصال لغيره.

فكم للعشق من قتيل من الجانبين، وكم أزال من نعمة، وأفقر من غنى، وأسقط من مرتبة، وشتت من شمل.

صفحہ 96