144

وإن قوي على عصيان الهوى، والشيطان، والنفس، والشهوة، وثبت في مواقف هذا الصراع الهائل_كان في عداد المجاهدين، وترتب على انتصاره وفوزه جميع المكارم والفضائل التي تنتهي به إلى خيري الدنيا والآخرة؛ فمن شرف النفس أن يأنف الإنسان لنفسه أن يكون تحت قهر عدوه؛ فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزيمة وهمة، وميلا إلى هواه طمع فيه، وصرعه، وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد.

ومتى أحس منه بقوة عزم، وشرف نفس، وعلو همة لم يطمع فيه إلا اختلاسا وسرقة؛ فأغزر الناس مروءة أشدهم مخالفة لهواه(412).

21_ عرض الحال على من يعين: فمن الأدوية الناجعة النافعة أن يعرض المبتلى حاله على أهل العلم، والدعوة، والإصلاح، والتربية؛ فإنه سيجد_بإذن الله_منهم إعانة على البر، ودلالة على الخير، وإجابة عن الأسئلة، وسعيا في حل المشكلات.

هذا وسيأتي مزيد بيان للأمور المعينة على التوبة في الصفحات التالية_إن شاء الله_.

الفصل الثاني

التوبة طريق السعادة

المبحث الأول

لا ريب أن الوقوف على سر السعادة ومعناها الحقيقي من أعظم الدوافع للتوبة النصوح، والإقبال على الله_عز وجل_ذلك أن من أعظم الدوافع لفعل المعاصي وترك الطاعات هو البحث عن السعادة والراحة؛ فالعالم بأسره مؤمنه وكافره، وبره وفاجره يبتغي السعادة ويروم طرد الهم والقلق.

ولكن ما أقل من يهتدي إلى ذلك السبيل، وما أكثر من يحيد عنه يمنة ويسرة.

كل من في الوجود يطلب صيدا

غير أن الشباك مختلفات

فأكثر الناس عشيت بصائرهم أو عميت عن حقيقة السعادة وسرها الأعظم؛ فلا سعادة عندهم إلا سعادة المشاهير من أهل الفن، والمال، والرياضة، والوجاهة ، والرياسة وغير ذلك من الأمور التي تأخذ بالألباب.

ولا يعرفون السعادة إلا بإطلاق الشهوات، والتمتع بسائر الملذات، وإذا فاتهم ذلك قالوا: على الدنيا العفاء.

صفحہ 144