أن تكون معه وإن كانت متقدمة عليه؟
فمن قال بالأول لزمه أن يكون كل عبد لم يفعل ما أمر به قد كلف ما لا يطيقه إذا لم يكن عنده قدرة إلا مع الفعل. ولهذا كان الصواب الذي عليه محققوا المتكلمين، وأهل الفقه، والحديث، والتصوف، وغيرهم ما دل عليه القرآن، وهو أن [الاستطاعة] التي هي مناط الأمر والنهي وهي المصححة للفعل لا يجب أن تقارن الفعل. وأما [الاستطاعة] التي يجب معها وجود الفعل فهي مقارنة له.
[فالأولى]: كقوله: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وقول النبي ﷺ لعمران بن حصين: " صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب " ومعلوم أن الحج والصلاة تجب على المستطيع سواء فعل، أو لم يفعل. فعلم أن هذه الاستطاعة لا تجب أن تكون مع الفعل.
[والثانية]: كقوله تعالى: ﴿ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون﴾ وقوله تعالى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠٠، ١٠١] . على قول من يفسر الاستطاعة بهذه، وأما على تفسير السلف والجمهور، فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم. فنفوسهم لا تستطيع إرادته؛ وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه وهذه حال من صده هواه ورأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة، واتباعها، فقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك وهذه [الاستطاعة] هي المقارنة للفعل الموجبة له.
1 / 31