وكان الكلام مقنعا؛ لأنها لا تستطيع أن تصارع الموت، فالموت قديم ومخضرم ولا يؤذيه سلاح ولا يقتله قاتل، ولا يسأم أو يتراجع، ولا ... أما هي، فبائسة، فقيرة، مريضة ومنهزمة دون أن تدخل في صراع مع أي كان، منهزمة بالفطرة؛ وقد تعب منها المحسنون. هذا إذا عرف أن كاكا النوباوية الكجورية همست لها قائلة: إن زوجك سعد مكتوب.
تحكي
كانت نوار سعد تحكي كما ...
كانت نوار سعد تحكي كما لو كانت في حلم طويل مزعج، أما أنا والمختار ففي صمت نستمع، وقد نسأل وقد نعلق، قالت: وكان يوما مشهودا؛ يوم أن تركنا القرية التي ولدنا بها وتربينا بين أزقتها، وعلى ضفاف نهرها وتحت أشجار نبقها، ولالوبها وحكاياتها وأحزانها وأفراحها، فكنا سعداء أن نغادرها، وكنا محزونين أيضا، وبنفس القدر. نور لا ترغب السفر بغير والدها أبدا، وقال الجيران - بعض الجيران: خذوه معكم، ولكنه قال في كبرياء: سأبقى هنا. ومن الأحسن أن تبقوا أنتم أيضا، وأضاف بطريقة أو بأخرى ما يعني أنه سيترك السكر وسيلتزم، بل لمح تلميحا واضحا في أنه سيقيم الصلاة ويصوم شهر رمضان. ركبنا اللوري وانطلق بنا جنوبا ... جنوبا ... جنوبا.
رحب بنا أخوالنا وجدنا، وقالوا لائمين أمي: لماذا تأخرت كل هذه الشهور؟ فاشتروا لنا ملابس جديدة، ألقينا تلك الرفيعة المهترئة بعيدا، اشتروا أحذية جديدة، ثم أدخلنا المدرسة الابتدائية، كلنا في يوم واحد الفصل الأول.
كان عمري تسعة أعوام، نورا سبعة، نور في الخامسة من عمرها ولكنها ذكية ولماحة، ولها لسان طليق كجناح نسر نزق، ثم تحدثت نوار عن سابا الحبشية - صديقتها - بحماس وحب، وعن مسيو دل برادو، خوان بيدرو، وعن إسبانيا والفراعنة، قالت: إذا خلقني الله حبشية لاختصر علي مشاوير طويلة علي أن أمشيها الآن.
تحكي
استيقظنا في ...
استيقظنا في الصباح الباكر على جلب وأزيز عربة الشرطة، على وقع أحذيتهم الخشنة، قالت وهي جالسة على الأرض تحكي بحماس عن ما أسمته بيوم الشرطة والكلب؛ خرج المختار لاستقبالهم، وكان زوجك نور الدين تحت عرديبة القيلولة يدخن سيجارة بمتعة وتحد سأل الشرطي المختار: أين سهير حسان زوجة نور الدين؟ قال: هل رأيتموها هنا؟
قالوا: نحن نبحث عنها.
نامعلوم صفحہ