الرحلة مرحة وصاخبة، الطلاب المجانين في قمة جنونهم يغنون ويلعبون، يضحكون وينصبون الفخاخ لبعضهم في مكر وخبث وفوضوية جامحة، بعد دقائق من جلوسي قربها فاجأتني قائلة: هل تحبين شخص ما؟
دهشت قليلا في بادئ الأمر وارتبكت، لكنني تماسكت وأنا أتذكر وجودي وسط حقل من فعاليات جن موقوتة، مشاريع لسفادور دالي، هنري ماتيس، فان جوخ، أو أخيلة بابيلو بيكاسو، أو كما يحلو لمايزوكوف القول: الفنانون - وأنا واحد منهم - خراء الشيطان مثلهم في ذلك إخوتهم الشعراء. أجبتها قائلة: نعم، أحب شخصا، ولكنه ليس ما، بل يمكن تحديده وهو المحراب.
فاتسعت عيناها الضيقتان الصغيرتان قليلا قبل أن تقول: المحراب؟! غريب أيوجد شخص بهذا الاسم؟
هنا تدخل آدم ليقطع حوارنا المجنون طالبا منا أن ننضم إلى الثلة بالمؤخرة حيث حافظ وسارة ومايا العزيز وبقية الطلاب، ثم عرفني بها قائلا: نوار، نوار سعد، الدكتورة نوار سعد، أستاذة النحت، ومحاضرة في تاريخ الفن المرئي، ثم أشار إلي وقال: القديسة.
حاول أن يتذكر اسمي الحقيقي أو اسم أبي ولكنه لم ...
ثم حاول ولكنه لم ...
لأنه لا يعرف عني شيئا سوى الاسم الذي أطلقه علي هو وأصحابه، غير مقاسمتهم حزنهم وجنون حزنهم، بدأ قليل من الخجل، خجل المجانين يرتسم على وجهه، فجأة ضحك، وبجرأة المجنون المخبول السكران قال: ما هو اسمك؟ ما هو أبوك؟ من هو؟
يعرف الجميع أنني أستقل باص العاشرة الذاهب إلى المرسم الطبيعي أو المعمل المكشوف، أنزل في خلاء قبل المرسم، بميل أو أكثر أختفي في الغابة، وقد أظهر في الطريق فجأة عند عودتهم، وقد لا يرونني إلا بعد أسبوع أو شهر، وقد يسألون: ماذا تفعلين في الغابة؟
وقد أجيب: أتعبد.
وقد أجيب: لا شيء.
نامعلوم صفحہ