فقال له: تحتال برفقك ولطفك حتى تطلق عنك عقاله وتفك يدك من غله، فإن الرأي في يدك مالم تمضه فإذا أمضيته لزمك خطؤه وصوابه، واعلم أن هذا الأمر الذي تطلب ليس بصغير القدر ولا بيسير الخطر، وإن جل أصحابك لهولاء القوم كارهون، ولو قد بارزت الخليفة بخلعه وعاندته بنصب إمام دونه لصرف إليك رأيه ومكيدته، ورماك بأنصاره وجنوده، ثم لا عراق لك ولاشام، إن لجأت إلى العراق فهم أهل الكوفة المجبولون على الغدر والختر والمعروفون بقلة الوفاء والصبر، ثم هم بعد أهواء متفرقة وآراء مختلفة، كل يريد أن تكون الرئاسة في يده، وأن يكون من فوقه تبعا له، وإن صرت إلى الشام فكيف لك بالمقام فيهم والامتناع بهم، وعامتهم من قتل علي عليه السلام أباه وجده وابن عمه وحميمه، وكلهم يطلب هولاء القوم بوتر ويرى أن له عندهم دخلا، فأنشدك الله أن تفرق جماعة قيس، وتشتت أمرها، وتحمل العرب طرا على أكتافها، فوالله لئن مضيت على رأيك وشهرت بهذا الرجل نفسك ليرمينك الناس عن قوس واحدة وليجمعن على قتالك.
فندم نصر على ما كان منه وتخوف العواقب، وأتى محمدا عليه السلام وقال له: يابن محمد رسول الله، قد كان سبق إليك مني قول عن غير مشاورة لأصحابي ولا معرفة لرأي قومي، وكنت أرجو أن لا يتخلف علي منهم متخلف، ولا يتنكر علي منهم متنكر، وقد عرضت عليهم بيعتك فكرهوها، وامتنعوا من إجابتي إليها، فإن رأيت أن تقيلني وتجعلني في سعة من رجوعي، وأنا مقويك بما احتجت إليه، وهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في أصحابك، واستعن بها على أمرك، فأبى محمد أن يقيله وامتنع من قبول ما بذله ورجع مغضبا، فأنشأ يقول:
سنغني بعون الله عنك بعصبة .... يهشون للداعي إلى أرشد الحق
ظننت بك الحسنى فقصرت عندها .... وأصبحت مذموما وفاز ذووا الصدق
صفحہ 465