لوٹس کا اثر
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
اصناف
ضحكت فاندا في الوقت الذي بدأت تنقر فيه بعض عبارات الترحيب على الكمبيوتر. «الطيران ليس جزءا من هذه العملية. الانتقال عبر الهواء يشكل صعوبة أكبر على الأشياء الصغيرة من الكبيرة؛ لذلك يتعين على الحشرات الصغيرة أن تضرب بجناحيها باجتهاد كبير، وبصورة جوهرية فإنه في حالة الطائرة تكون علاقة الطفو بالنسبة لمقاومة التيار مواتية أكثر.»
تنهد قائلا: «كنت أعرف أن الأمر ممل.»
ردت فاندا: «هنا علي أن أعترض بشدة.» ظهر على الشاشة تساؤل حائر: «ماذا لو سمحت؟» لم يفهمها الكمبيوتر، لقد انزلقت يدها على لوحة المفاتيح ونقرت سطورا خاطئة، فلم يتمكن جهازها من هضم سلطة الحروف المشكلة تلك. «صحيح لا تستطيع جزيئات النانو الطيران، لكن قوة الضغط الناجمة عن انفجار هذا المصنع الصيني قد تمكنها من الانتقال في الهواء. ربما استنشق العمال المتواجدون بشكل مباشر في الموقع قدرا من ذرات الغبار هذه بالغة الدقة. إن سحابة الغبار تلك تتكون من خليط من الجسيمات متباينة الحجم والتي يمكن أن تترسب عميقا في الرئة وتسبب الالتهابات، وحين يكون متاحا تنزلق عبر الجدران الرقيقة المبطنة للرئة إلى الخلايا المناعية في تيار الدم وتنتشر عبرها في الجسم كله. ومن عواقب ذلك أمراض الجهاز الدوري والأورام.»
تنهد جانتر قائلا: «أنت تفهمين جيدا ما تتحدثين عنه، وما أنا سوى صحفي أحمق.» «لا أفهم تماما»، صوت بداخلها ناداها محذرا فجأة.
أبدى جانتر ملاحظاته: «حسنا، أنت تتحدثين عن جزيئات النانو التي يمكن أن تسبب لنا الأمراض. على الجانب الآخر تتواتر أنباء عن نجاح معجزة العلاج بجزيئات النانو، الكرات السحرية حسبما يسميها الكثيرون، وقد تسمح لنا بالبقاء حتى سن المائتين على قيد الحياة، وهو ليس العمر الذي أحلم بالوصول إليه إن شئت الصدق. فهل هذه نعمة أم نقمة؟» «إن نقل الأدوية بمساعدة جزيئات النانو من الممكن أن يكون فعالا جدا»، طالما رددت فاندا هذه الجملة مرارا وتكرارا. هي صيغة موثوق بها تستطيع أن تتكئ عليها كدرابزين السلم، ولن تسمح لأحد أن يستدرجها أبعد من ذلك. «يمكن للعقارات السمية مثل علاجات السرطان أن تتناول من خلالها في كميات ضئيلة جدا.»
أجاب جانتر وقد زادت استثارته: «يستطيع رئيسك أن يرى الأمر على هذا النحو، لكني أنا لا أعتقد في هذه الرسائل العلاجية. من الممكن أن يتم بالفعل علاج بعض الأمراض التي تسببها الحضارة بصورة أفضل، وهذا ما يدعو الساسة إلى أخذ زيادة متوسط الحياة في حساباتهم. سيصل الإنسان لعمر 200 سنة، ولم لا؟ معنى هذا أن يحال في سن 167 إلى التقاعد. لكن هل سنصل يوما إلى سن التقاعد تلك؟ ستكون أعضاؤنا قد تحملت بجزيئات النانو مثلما هي محملة اليوم بالمبيدات، وربما من هذا الطريق ينجح الانتقال من الإنسان إلى الآلة. نوع من التبلور، أو يسير الأمر كما الحال حتى الآن: أمراض جديدة، أدوية جديدة، لكن سن التقاعد لن تخفض.»
كانت فاندا تقضم قلمها الحبر، كانت تفضل لو أنهت المكالمة حتى ذلك الحد. لم يكن جانتر مخطئا؛ فبالطبع كانت أنباء نجاح النانو في العلاج والتشخيص ثقلا سياسيا. كانت تفكر في الموجة العارمة من مواد النانو الجديدة والتي تجاوزت علم السموم. إنهم ليقفون مشدوهين أمام أعمدة قوية لقصر مشيد، يقوم فيه العلماء بإعداد المأدبة الملكية للتزويج فيما بين علوم النانو وعلوم الجينات، في الوقت الذي يظل فيه أثر الكثير من المكونات مجهولا. من الممكن أن نتوقع قوة هذه الزيجة التي رتبت بين البيتين الملكيين، مثلما يتم ترتيب الزيجات الملكية منذ القدم، إلا أن الجيل الصاعد من هذا الزواج يفوق قدراتنا على التصور. وكان على رأس المحركات الاجتماعية التي دفعت نحو هذه الأحداث حاجة البشر المتنامية إلى التحكم في العمليات الحيوية، وهنا لم تستطع فاندا أن تدفع من ذهنها خاطر أن طموح الإنسان في السيطرة هو ذاته ما يعظم من خروج التكنولوجيا الحديثة عن نطاق أي سيطرة، وفي ظل عدم المعرفة والتسابق نحو حيازتها قام علماء البيوتكنولوجي بممارسة لعبة «فيروبولي» «بنك الحظ الفيروسي»، وكان من المحرج مشاهدة كيف أن علم السموم بدأ يعرج وراء التطورات الأخيرة. «سأتمسك بالحقائق» قالتها فاندا أخيرا، وعضت لسانها، فمثل هذه التشككات لو أفصحت عنها للرأي العام لكلفتها وظيفتها.
فرد الصحفي بلا مواربة: «وأنا لا أصدق في رؤيتك. بل إنني أدعي أنه في تكنولوجيا النانو خاصة، فإن المسافة شاسعة بين الممكن والمأمول، إنهما لا يتقاطعان إلا في إدراكنا لهما.» «ألا تسهم وسائل الإعلام في تكريس هذه الحال؟» «بالتأكيد، ولكن أيضا العلماء الذين يستغلوننا من أجل الترويج لمشروعاتهم. القلة فقط تتحدث عن المخاطر.» «ربما لأنهم لا يعرفونها؛ فليس من السهل تقديرها على النحو السليم.» «إنك أنت الخبيرة. فماذا ترين في تلوث أجسام الجنود الإيطاليين في كوسوفو؟ قيل وقتها إنه على الأرجح هو ناتج عن كشط القشرة الخارجية لصواريخ كروز.» لقد حان وقت إنهاء المكالمة مع جانتر. «أعتقد أن على حضرتك أن تواصل الحديث مع بروفيسور شتورم، فهذا هو مجال تخصصه.» «دعيك من هذا الكلام، أنا أعرف رئيسك؛ إنه لا يخبر شيئا.»
فأسرعت فاندا قائلة: «علي الآن أن أعود إلى المعمل حقا.» «نعم، دولاب التخمير. لكن عندي سؤال أخير: ما هي الأبعاد التي يتحرك فيها هذا النانو الشبح؟» «مقياس النانو يطابق واحدا على مليار من المتر»، ردت فاندا آليا، فأخيرا عادت للتحرك على المسار الآمن. «ريتشارد فيمان، واحد من أوائل من حلموا بتكنولوجيا النانو، قال ذات مرة في الغور البعيد مكان شاسع. إذا ما قارنا بين الأحجام فجزيء النانو بالنسبة لكرة القدم هو كمثل كرة القدم إذا ما قورنت بالقمر. نحن نعرفه على أنه وحدة في منظومة أكبر بين واحد إلى مائة نانومتر.» «ولماذا مائة نانومتر؟»
ترددت فاندا قليلا ثم قالت: «لأن بيل كلينتون أصدر توجيهاته في هذا الشأن.»
نامعلوم صفحہ