لوٹس کا اثر
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
اصناف
وضعت فاندا قلمها الحبر جانبا . لم تكن تعلم بعد إن كانت بالفعل اتخذت قرارها، ثم أغلقت دفتي كراسة المذكرات. اهتزت الأرض تحت أقدامها هزة خفيفة، وصرت الأكواب المصطفة على الرف بصوت خفيض؛ فقد كانت حافلة تمر بالشارع مفتتحة جولتها الأولى. ما اليوم يا ترى؟ تنهدت فاندا وأمسكت رأسها المصطفق، وفكرت أنه يوم الاثنين، كانت تستشعر انقلابا خفيفا في معدتها كلما اقترب هذا الطقس الأسبوعي. اليوم الدور على جورج - باحث الدكتوراه الذي تشرف على رسالته - لإلقاء محاضرة؛ لهذا عليها أن تأخذ كفايتها من الراحة. ذهبت فاندا إلى الحمام وفتحت صنبور المياه ورشفت رشفتين ابتلعت بهما قرص الدواء. كان الفراش لا يزال دافئا. «سيمر كل شيء بسلام.» غمغمت بتلك الكلمات ثم راحت في نوم خفيف.
الفصل السادس
يوم الاثنين، يوم الاثنين
دخلت قاعة المناقشات قبل تمام الساعة العاشرة بدقيقة واحدة. لعدة لحظات شعرت فاندا بثقل تهديد العيون المصوبة تجاهها ممن لا يقل عددهم عن خمسة عشر شخصا. على الأرجح كان الزملاء ينتظرون الرئيس. أومأت بسرعة للمجموعة دون أن تثبت نظرها عند أي من الحاضرين. كانت منشغلة بذاتها بما فيه الكفاية. وسرعان ما عاد الهمس والضحك يملآن الغرفة. كلما حضرت فاندا إلى هنا أيام الاثنين، شعرت أنها عادت إلى وقت المدرسة مجددا. كان جمعا شابا، فمعظم الزملاء دون الثلاثين. ارتمى الحاضرون على الطاولات هنا وهناك، وتداخلات أحاديثهم، ودفع بعضهم بعضا على سبيل الدعابة. كان طول غرفة الندوات أكبر من عرضها، واصطفت فيها الطاولات في صفوف طولية متتالية مثل فصول المدارس. كانوا قد انتقلوا لتوهم إلى مبنى الأبحاث الجديد؛ ولهذا فقد كانت الغرفة لا تزال تحمل الروائح المنبعثة من الموكيت المركب حديثا، ومن الأثاث الجديد الذي وصل من المصنع مؤخرا. وحين أحست بطعم المواد المذيبة على لسانها، سارعت نحو النافذة وفتحتها على مصراعيها. «ياه! فاندا، أعليك أن تفعلي ذلك؟» قالتها أستريد وهي تضغط بمنديلها على أنفها، وفي نفس اللحظة تمخطت فيه بقوة، ثم سددت إليها عيناها الزرقاوان نظرات لائمة.
زمجرت فاندا مدافعة: «تنبعث في الغرفة روائح كيماويات كريهة.»
نعقت الدكتورة أستريد دوبرمان كغراب شل جناحه: «لكني أعاني الآن من مشكلة أخرى!» حسن، رائع جدا. انتصرت فاندا داخليا. سيقع الوحش أخيرا على الأرض. «إذن لماذا أنت هنا؟ هل تريدين أن تنقلي العدوى إلينا جميعا؟»
كانت لا تزال غاضبة من أستريد؛ فقبل مدة وجيزة نجحت الزميلة في اقتناص مبلغ كبير من موارد هذا العام المخصصة للأبحاث والتدريس، بسرعة قبل أن توضع معايير توزع على أساسها الأموال على مجموعات العمل، بل لقد نجحت حتى في إقناع الرئيس أن هذا السطو يندرج تحت بند المصروفات الخاصة للقسم. شعرت فاندا بتنميل في بشرة رأسها. حاولت أن تلجم غضبها وقالت: «بالتأكيد كان يمكنك حقا أن تتغيبي عن بعض المحاضرات.»
قهقه يوهانيس الجالس قبل أستريد بصفين، ثم نظر إلى فاندا مشجعا: «لم تنامي جيدا؟» ثم سحب الكرسي من جانبه في دعوة واضحة لها بالجلوس إلى جواره.
فأجابته هي عرضا: «عملت كثيرا، وأكثرت من شرب النبيذ»، فلم يكن من داع أن يعرف الحقيقة. وكانت في الأساس تستلطف يوهانيس؛ فمعه يعرف المرء بسرعة أين يقف. على الأقل كان يبدو لها الأمر واضحا. كان يوهانيس يحب أن يداعب من حوله، وكل ما في قلبه يقوله لسانه، ولو مرة اضطر أن يكتم تعليقا ما، كان يندفع محمر الوجه خارجا من فرط الانفعال. لم يكن يوهانيس يهيم بالنساء، وللطرافة لم يكن يتصور أن الناس تعلم عنه ذلك. كان لحوحا في محاولاته أن يبدو طبيعيا وكأنه يسخر من نفسه؛ فهو لم يعد بسنواته الخمسة والثلاثين باحثا يافعا؛ وإنما تقدم في السن بحيث لم يعد من المناسب إدراجه في برامج دعم صغار الباحثين، وكان جليا للجميع أن شتورم لا يحبه، لكن أستريد كانت مصرة على تعيينه، وأمام أستريد أحيانا لا يملك الجميع - ومن بينهم الرئيس - إلا الانصياع. حصل يوهانيس ليبكنيشت على الدكتوراه في تخصص الأحياء، ولم يكن يستنكف من إجراء أبحاث مطولة على حيوانات التجارب، وربما يكون أهم ما ميزه بالنسبة لأستريد هو أنه لم يكن منافسا لها بحال. فكرت فاندا قليلا؛ فمعنى أن تجلس إلى جواره هو أن تخاطر بوضع نفسها قرب مرمى نار الرئيس، بل أقرب من اللازم بالنظر لحالها اليوم، ولهذا ظلت تبحث بعينيها في المكان. كانت زابينة تجلس في الصف الأول. نظرت فاندا إلى بنيتها النحيلة، وعرفت فورا أنها لم تكن على ما يرام. كان رأس زابينة عالقا بين كتفيها المرفوعتين، كان جسدها مشدودا يعاني توترا يؤلمك مجرد النظر إليه. كانت تكتب شيئا ما؛ عرفت فاندا ذلك من حركة كتفها اليمنى نحو الأمام ثم نحو الخلف. شيء ما في هذه الحركة كان يزعجها. وكان المكان إلى جوارها خاليا.
وفي نفس اللحظة التي انتوت فيها أن ترد عرض يوهانيس دخل الرئيس إلى غرفة المناقشات. بروفيسور ماكسيميليان شتورم لا يجري، إنه يطير طيرانا ثم يهبط، ودائما ما يوجهه نظام ملاحته نحو المكان الخالي في الصف الأول. طائرا وراءه خليفته ميشائيل فالاخ الذي قطع تدريب طيرانه ليجلس على الكرسي المجاور للباب. بلا شك كان عنده مواعيد مهمة جدا ستضطره للذهاب مبكرا. وبعد أن وصل إلى الصف الأمامي تردد شتورم في عملية إنزال جسده من ارتفاع المتر والتسعين سنتيمترا، الأمر الذي سمح له أن يغير بخفة مسار قوامه الفارع ولا يجلس إلى جوار زابينة، وإنما في الصف الذي يليها مباشرة إلى جوار علي؛ فكان ذلك إيذانا ببدء الجلسة. توقفت الهمسات الضاحكة، وجلس كل واحد على كرسيه. جلست فاندا إلى جوار يوهانيس، حقا على غير إرادتها، لكنها كانت يقظة. رأت المناطق المحمرة على رقبة جورج، وأومأت له مشجعة.
نامعلوم صفحہ