103

لوٹس کا اثر

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

اصناف

كانت تفكر في مصباح الشارع الذي انكسر من الطلقة، وفي الطلقة الأخيرة في الجراج. كان الإنهاك قد بلغ منها مبلغه، فأزاحت ذكرى الحادث الأخير إلى زمن آخر، ولذلك كانت تظن أيضا أن ما أصابها بالذعر طلقات مدافع. ربما كان ذلك حلما لأنها حين استيقظت كان جسدها لا يزال محنيا إلى الأمام. كانت تشعر بالبرد القارس لدرجة أنها فقدت الإحساس بقدمها اليسرى. تبرم أندرياس عندما تحركت هي وأضاءت المصباح. كانت الساعة قد بلغت الرابعة. حاولت النهوض إلا أن مؤخرتها كانت متصلبة من التجمد، وحين نهضت مرتعشة سقط أندرياس جانبا وتدحرج ضاما جسده مثل قطة. خطت فاندا بضع خطوات، فبدأ الخدر يختفي ويعود إليها الإحساس بقدمها تدريجيا. في جولتها القصيرة اكتشفت فراشتين بجناحين مضمومين عالقتين بالقبة، لاجئتين مثلنا، ظانتين أنهما بأمان هنا، إلا أن خيوط عنكبوت كانت عالقة بفتحة من فتحات الرماية. «أنا أشعر بالبرد .» قالت فاندا بلا مقدمات، وبدأت تقفز في مكانها «إلى متى تريد أن تظل هنا؟»

أجاب أندرياس وهو يتثاءب بصوت عال: «إلى أن يطلع النهار.» حركت المصباح في الاتجاه الذي أتى منه صوته، فوجدته قد جلس مستندا بظهره إلى الحائط وأخذ يفرك عينيه.

قالت فاندا وهي تتحرك في دوائر ويطقطق الحصى أسفل نعليها: «هذا معناه أن نظل هنا على الأقل ثلاث ساعات أخرى. سأكون قد تجمدت حتى ذلك الحين.» «ستموتين رميا بالرصاص بأسرع ما تموتين تجمدا. ثم إن المساجين هنا فيما مضى كانوا يتحملون الحياة لعدة أيام دون معطف ثقيل كالذي معك.» ثم خبط أندرياس على المكان المجاور له وقال: «تعالي، الدفء ينساب دوما من الدفآن إلى البردان. إنه القانون الأول للديناميكا الحرارية.» «الدفء هو حركة عشوائية غير قابلة للتنبؤ لجزيئات العناصر ...» ثم ضحكت فاندا من كلماتها، واستطردت: «إن لم ننتبه إليها فستؤدي إلى الفوضى. القانون الثاني للديناميكا الحرارية.» «لكن فقط في نظام مغلق.»

بمصباح اليد أسقطت ضوءا مرتعشا سريعا يدور بالغرفة قائلة: «وهل هذا غير ذلك؟» «هل لهذا تتحاشينني؟» لم تجب سؤاله، فقط كانت تشعر أن البرودة تشق شروخا في جدران مقاومتها الداخلية، فجلست إلى جواره. حين أحاطها أندرياس بذراعه شعرت برائحة كريم ما بعد الحلاقة الذي يستخدمه تحيط بها. كانت يداه دافئتين على نحو مدهش. مر بعض الوقت حتى بدأت الكلام. تلعثمت في البداية مثل محرك بارد، تحدثت حديثا غير واضح عن نتائج طبية ما، وعن خوفها من مرض قاتل، على الأرجح مثل المرض الذي قتل والده. تهتهت وهي تقول إنه ربما يكونون جميعا قد أصيبوا بتلوث ما حين كانوا في نيو مكسيكو، أو إنهم أصيبوا بعدوى شيء جديد، خطير، شيء لم يكشف الطب كنهه تماما بعد، وربما يكون ذلك كله مجرد وهم. سحبت شكوكها ثانية. أشعرتها حالة الهستيريا بالحرج، إلا أن أندرياس ضمها إليه بقوة، فما كان منها إلا أن واصلت حديثها عن إدمان والدها، وهو أمر يجعلها تشعر بالذنب تجاهه دون أن تعرف لماذا. تركت العنان لذكرياتها لتتحدث، ومضات برق فكرية في جلسة عصف ذهني. تحدثت عن المداهمة بالمعهد، عن صورة القبر الرقمي الذي حمل اسمها وسنة وفاتها. لا بد أنه يظنك مجنونة. إلا أن تدفق الكلام كان أقوى من أي نقد توجهه لذاتها. ومثل طفل غاضب يلقي بقطع اللغز المصور، ألقت أمام قدميه بآخر ما توصلت إليه من معلومات خاصة بدراسة شركة بي آي تي التي يحاول رئيسهما أن يتفوق من خلالها، فلم يعد بها أي رغبة أن تسخر نفسها في خدمته بعد ذلك، وأن عليه أن يهتم هو ب «نانوسنيف» بنفسه. حتى هذه النقطة كان أندرياس يستمع لها بانتباه ويلمسها برقة إن بكت. «ربما لك بالفعل عدو. من تراه لا يرغب أن تذيعي هذه المعلومات؟» «لا أعرف حقا. أحيانا أحلم به، لكني لا أرى وجهه، وأحيانا أظن أني أختلق الأمر برمته.»

وبدلا من التقاط هذه الفكرة واصل أسئلته: «هذا الفيروس المتحول لا يصيب سوى الفئران، فما الخطير في ذلك؟» «ليست لديك فكرة، الفيروسات تستطيع تغيير مضيفها كما تغير أنت قميصك. تشويه في تركيب إنزيم على السطح الخارجي ... ثم ... فجأة» طرقعت فاندا أصابعها «تنتقل إلى نوع آخر من الكائنات الحية. وهناك أيضا فيروسات حيوانية تحورت لتصيب الإنسان. سارس، إيبولا، فيروس-ماربورج ... لكن هذه ليست مشكلتنا الآن، فقد ظهر في تجاربنا عضو جديد. أم عساي أقول روبوت صغير مستقل؟ يبدو الأمر مثل الخيال العلمي، ورغم ذلك لا يمكن دفعه بعيدا. أتمنى أن نقضي عليه قبل أن يستطيع أن يتغلب علينا، لكني لا أعتبر السكوت على هذه المسألة أمرا صائبا.» «كيف يمكن أن يحدث ذلك؟» «كان السبب في ذلك هو عدم النظافة، عدم الدقة في تخطيط التجارب. سمه حادثا إن شئت. لقد حقنت الفئران بفيروس كان يأوي الجين المنزلق. عمليات النقل تلك ليست بالضرورة مستقرة، لكن في حالتنا هذه أخشى أن الأمر وصل إلى ما قد يسمى منحة لا ترد، بمقتضاها تحول مثير غير مؤذ إلى آخر مميت.» «ماذا تريدين أن تفعلي؟» «ليس من المعتاد التحدث عن هذه الأخطاء. لن يتوجك أحد بإكليل الغار. الأرجح أن أمرا كهذا يلقي عليك أضواء سلبية في المجتمع العلمي، كما أن تورط الصناعات الدوائية في هذه المسألة يعقدها. أراهن أن الشركة ستلغي المشروع برمته بمجرد أن تعرف بالذي حدث.» «ربما يكون هذا حلا. لماذا لم تخبريهم من قبل؟» «بهذا أعيد المشكلة ثانية لكن تحت الطاولة. فيطوي النسيان الموضوع ولن يعرف عنه أحد. علاوة على ذلك، أخشى أن أفقد وظيفتي.» «من سيستفيد من إعلانك للخبر؟ أعني هل تريدين الانتقام أم أن يقام لك نصب تذكاري؟» فكرت فاندا. أن ترى الرئيس غارقا في عرقه، هذا وحده يكفي ليجعل المخاطرة مجدية. «للأمانة أقول بعضا من كلا الأمرين، ناهيك عن أني سأتمكن من التعبير عما أفكر فيه بصراحة. لقد فاض بي الكيل ولم أعد أتحمل أن أظل أتصنع وأمثل طوال الوقت، أن ألبي التوقعات، وأوقظ الآمال. إنها طبيعة علم السموم، أن تكون ذا عقل ناقد، لكن عليك أن تلعب مع الذئاب، إن كنت تريد أن تنال من مغانمها. إنها مسألة حياة أو موت. عليك أن تتأقلم معها وتجد نفسك قد تغيرت. وإن كنت تسمح لنفسك بالتلاعب، فستتجاهل ما يقوم به الآخرون في وقت ما. أليس من الممكن أن يكونوا هم مستقبلا من يقيمون أبحاثك العلمية؟» سقطت قطرة من أنفها، فدست يدها في جيب معطفها باحثة عن منديل ورقي، أخرجته وتمخطت. «فقط حين نستعرض أخطاءنا ونقاط ضعفنا بوضوح أولا، سنستطيع أن نصل إلى شيء. يمكن للناس أن تصدقنا. أريد مزيدا من الانفتاح على الناس، والبعد عن تجنبهم.» «أنت تريدين إذن أن تطلعي المجتمع العلمي على أمر يعرفه منذ مدة طويلة، لكنه يرفض الحديث عنه بوضوح. أشك أنك ستنالين جائزة عن ذلك.» «إنك تسخر مني.» «لا أبدا، على الإطلاق. هناك جائزة يحصل عليها الواشي؛ تبلغين عن خديعة، أو عن معلومة غير مريحة، فيتم تكريمك على ذلك.» «ليس الأمر بهذه البساطة. إن الجائزة التي تتحدث عنها لهي تكريم من العيار الثقيل، في وسعه أن يحمي العالم من الإفلاس إن كان نشر أبحاثه الموثقة سيكلفه وظيفته. مقارنة بهذا لست إلا ومضة صغيرة. لا ينال هذا سوى كبار العلماء.» «ومن يرعى شئون الآخرين الكثر المرتبطين بعمل الكبار؟ أولئك الذين نسميهم نخبة المستقبل؟» «على هؤلاء أن يبرزوا أولا في مجالهم. أينشتاين مثلا دعم في البداية البرنامج النووي، لكنه ابتعد عنه لاحقا، قرب نهاية مساره الوظيفي، حين كان في وسعه تحمل تكلفة أن يكون ناقدا.»

مس أندرياس أذنها برقة بأرنبة أنفه. كانت باردة، لكن أنفاسه بثت فيها الدفء. «لم تكن صدفة أن آتي إليك في المعهد.» «ماذا؟» «لقد رأيتك آنذاك في القطار. كنت قادما من جنازة أبي.»

قالت فاندا: «صحيح. قائد الفرقة الموسيقية.» «من؟»

ابتسمت وقالت: «الصدف واردة.»

رد أندرياس: «لقد قلت للتو إني حضرت إليك قصدا.» صمتت فاندا. وعاد السكون يخيم مع الظلمة مرة أخرى. كان عليها أن تعترف أنها تستمتع باقترابه. لكني لن أقبله، ليس الآن. «من تكون إذن لاريسا زخارياس؟» لم يخرج السؤال عفويا على لسانها كما تمنت. لم يجب أندرياس مباشرة. «إنها جد بعيدة نسبيا.» «هذه ليست إجابة.»

قال مترددا: «نحن معا منذ عامين. هي الآن في نيكاراجوا.» •••

نامعلوم صفحہ