الباب الأول
صفات العروق النفسية
الفصل الأول
روح العروق
يستند الطبعيون في تقسيمهم للأنواع إلى مشاهدتهم بعض الصفات التشريحية التي تظهر منتظمة ثابتة بالوراثة، واليوم نعلم أن هذه الصفات تتحول بتبدلات غير محسوسة تتراكم وراثة، ولكننا إذا نظرنا إلى الأزمنة التاريخية القصيرة وحدها أمكننا أن نقول إن الأنواع لا تتغير.
وحين طبقت مناهج الطبيعيين في التقسيم على الإنسان أظهرت لنا أمثلة متمايزة، وهي حين استندت إلى الصفات التشريحية الواضحة، كلون البشرة وشكل الجمجمة وحجمها، أمكنها أن تقرر اشتمال الجنس البشري على أنواع مختلفة متغايرة إلى الغاية متباينة الأصول على ما يحتمل، ويرى العلماء المحافظون على التقاليد الدينية أن هذه الأنواع هي العروق فقط، ولكن الأمر هو - كما قيل بحق - «أن الزنجي والقفقاسي، إذا كانا من فصيلة الحلزون، يقرر علماء الحيوان بالإجماع أنهما نوعان مختلفان لا يمكن أن يولدا من زوجين افترقا عنهما بالتدريج».
ولا تحتمل تلك الصفات التشريحية، ولا سيما التي يمكن أن تنالها يد التحليل، غير تقسيمات عامة موجزة، ولا يظهر اختلافها إلا في الأنواع البشرية البادية التباين؛ كالبيض والزنوج والصفر مثلا، غير أن هنالك أمما كثيرة التشابه من الناحية الجثمانية شديدة الاختلاف في شعورها وسيرها؛ ومن ثم في حضاراتها ومعتقداتها وفنونها، أفيمكن أن ينظم الإسپاني والإنكليزي والعربي في زمرة واحدة؟ ألا تبدو الفروق النفسية بينهم لكل ذي عينين؟ ألا تقرأ هذه الفروق في كل صفحة من تاريخهم؟
وقد أريد - عند عدم الاختلاف في الصفات التشريحية - أن يستند في تقسيم بعض الشعوب إلى عناصر مختلفة كاللغات والمعتقدات والزمر السياسية إلخ، بيد أن تقسيمات كهذه مما لا يقف أمام سلطان البحث.
وما عجز التشريح واللغات والبيئة والزمر السياسية عن تقديمه من عناصر التقسيم عرضه علينا علم النفس، وعلم النفس هذا يدل على أنه يوجد خلف نظم كل أمة وفنونها ومعتقداتها وانقلاباتها السياسية ما يصدر عنه تطور هذه الأمة من صفات خلقية وذهنية، ومن مجموع هذه الصفات يتألف ما يسمى روح العرق.
ولكل عرق مزاج نفسي ثابت ثبات بنيته التشريحية، ولا نرى ما يدعو إلى الشك في وجود نسب بين المزاج النفسي وتركيب الدماغ، ولكن العلم لم يبلغ من التقدم ما يكتنه به هذا التركيب؛ ولذلك يتعذر علينا اتخاذه أساسا للبحث، وهذا إلى أن معرفة ذلك التركيب لا تغير شيئا من وصف المزاج النفسي الذي يشتق منه فتبديه لنا المشاهدة.
نامعلوم صفحہ