مقدمة
...
تسلية الأعمى عن بلية العمى
تأليف: علي بن سلطان محمد القاري الهروي المكي الشهير بملا علي القاري
دراسة وتحقيق: د/عبد الكريم بن صنيتان العمري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:- فإن الله تعالى، قد خلق الإنسان في أحسن صورة، وأعدل قامة، وجمله بالعقل، ليميز به بين الخير والشر، والنافع والضار، والحسن والقبيح.
وخلق له أطرافا، وأعضاء، وحواس تعينه على الوصول إلى ما يريد، وتسهل عليه عبادة ربه جل وعلا.
ومن حكمته ﷾ أنه قد ابتلى بعض عباده، فسلب منهم بعض تلك النعم، فأخذ من هذا نعمة السمع، ومن ذاك نعمة النطق، ومن آخر نعمة القدرة على المشي، وهكذا ...
وهذا كله من رحمته بعبده، فهو إنما فعل ذلك، ليثيبه ويجزيه الجزاء الأوفى والأكمل يوم القيامة، وقد قال. ﷺ "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب الله قوما ابتلاهم ... " ١.
_________
١ انظر تخريج الحديث ص ٤٧-٤٦.
1 / 3
ومن أولئك الذين ابتلاهم الله - تعالى - في هذه الحياة، جماعة سلب الله منهم أبصارهم، ليعوضهم بدلها الجنة يوم القيامة.
فالعمى الذي كتبه الله - تعالى - على بعض عباده في الحياة الدنيا، سينال به صاحبه الجنة، إذا صبر وحمد الله تعالى، وشكره على قضائه وقدره.
وفى هذا الكتاب الذي بين أيدينا، بيان لمنزلة أولئك المبتلين بفقد البصر، حيث ذكر المصنف فيه الأحاديث الواردة عن رسول الله ﷺ في ثواب أهل البلاء عامة، وثواب بلية العمى خاصة، وأورد فيه النصوص الواردة من الكتاب والسنة، التي بينت عظيم فضل الله تعالى - على عباده، وأنه إن حرم عبده نعمة من نعمه في هذه الحياة، فسيعوضه خيرا منها في وقت هو أحوج فيه للأجر والثواب، إذا الحمد الله - تعالى - وشكره على مصابه وبلواه.
1 / 4
أولا: دراسة حياة المصنف
...
وردت ترجمة المصنف في المصادر التالية:
الأعلام: ٥/ ١٢-١٣.
إيضاح المكنون: ١/ ٢١،٢٠٩،١٤٥،٩٣،٩٠، وغيرها.
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع. للشوكاني:١/٤٤٥-٤٤٦.
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. للمحي:٣/١٨٥-١٨٦.
الرسالة المستطرفة، للكتاني: ١١٥.
سمط النجوم العوالي. للعصامي: ٤/٣٩٤.
الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. للثعالبي الفاسي: ٢/١٨٨.
كشف الظنون:١/٤٥٤،٤٤٥،٦٠،٢٤ وغيرها.
معجم المؤلفين. لكحالة:٧/١٠٠-١٠١.
هدية العارفين:١/٧٥٣،٧٥٢،٧٥١.
اسمه ونسبه:
هو الشيخ نور الدين، أبو الحسن، على بن سلطان محمد١
_________
١ "سلطان محمد" اسم والده، فهو مركب من علمين، كما أورده معظم من ترجموا له، إلا أن العلامة الشوكاني ﵀ ذكره باسمه: على بن سلطان بن محمد.
1 / 7
القاري، الهروي، المكي، المشهور بـ"ملا١ علي القاري".
ولد في مدينة "هراة٢ "، وهي واحدة من أشهر مدن أفغانستان حاليا.
ولم يذكر أحد ممن ترجم له تاريخ ولادته.
نشأته وانتقاله إلى مكة المكرمة.
نشأ القاري في مدينة "هراة"، وترعرع بها، وحفظ القرآن منذ صباه، ثم بدأ يلازم كبار العلماء والمشايخ في بلدته، فتلقى عنهم بعض
_________
١ "ملا": بضم الميم، وتشديد ما بعدها، وتنطق "منلا"، باللغة التركية، والظاهر أنها منحدرة من كلمة "مولى"، العربية، ومعناها: السيد، والمخدوم، ومعناها في الفارسية الحديثة: مثقف، ومتعلم. انظر: مقدمة كتاب الأسرار المرفوعة للمصنف. تحقيق محمد الصباغ.
٢ "هراة"، قال عنها ياقوت في معجم البلدان ٥/٣٩٦: مدينة عظيمة مشهورة، من أمهات مدن خراسان، فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات كثيرة، محشوة بالعلماء، ومملوءة بأهل الفضل والثراء.
قلت: ومن أشهر علمائها:
١- أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، أبو عبيد الهروي، صاحب "كتاب الغريبين"، توفى سنة ٤٠١ هـ.
٢- أبو عبيد، القاسم بن سلام الهروي، المستوفي سنة ٢٢٤ هـ، من أشهر علماء الحديث والفقه واللغة.
٣- عبد اللة بن عروة الهروي، المتوفى سنة ٣١١ هـ،، أحد حفاظ الحديث.
1 / 8
العلوم، ثم هاجر إلى مكة المكرمة على إثر قيام الرافضي إسماعيل الصفوي بالاستيلاء على] هراة [، وبث شعائر الرافضة فيها١.
فانتقل القاري منها إلى مكة واستقر بها، وواصل تعليمه على يد كبار علمائها، فأخذ عن الكثير من المحققين فيها٢، ومن أشهر من أخذ عنهم:-
(١) أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، ابن حجر الهيتمي الشافعي، المتوفى سنة (٩٧٣ هـ) ٣.
(٢) الشيخ علاء الدين، على بن حسام الدين، الشهير بالمتقي الهندي، والمتوفى سنة (٩٧٥ هـ) .
صاحب كتاب أكنز العمال٤.
وتتلمذ على يده كثير من طلاب العلم، منهم: عبد الرحمن المرشدي المتوفى سنة (١٠٣٧ هـ) ٥ وعبد القادر بن محمد. المتوفى سنة (١٥٣٣ هـ) ٦، وغيرهما.
_________
١ انظر مقدمة كتاب: تزيين العبارة للمصنف، تحقيق عثمان جمعه ص٣٠
٢ خلاصة الأثر٣/١٨٥، سمط النجوم العوالي٤/٣٩٤، البدر الطالع١/٤٤٥.
٣ خلاصة الأثر٢/١٦٦، البدر الطالع ١/١٠٩.
٤ الأعلام ٤/ ٢٧١.
٥ خلاصة الأثر٢/٣٦٩.
٦ خلاصة الأثر٢/٤٥٧.
1 / 9
مؤلفاته:
يعد الشيخ علي القاري، من المكثرين في التصنيف، وقد نسب له ما يزيد على مائة وأربعين مؤلفا، ما بين كتاب، ورسالة، وشرح، معظمها لا يزال مخطوطا، وإليك عناوين بعض مؤلفاته، مع بيان المخطوط، منها والمطبوع:
١- الأحاديث القدسية مطبوع بتحقيق أبو إسحاق الأثرى.
٢- أربعون حديثا في فضائل القرآن.
٣- الاستئناس بفضائل ابن عباس ﵄.
٤- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة مطبوع بتحقيق محمد لطفي الصباغ.
٥- الاصطناع في الاضطباع، رأيت نسختين منه في مكتبة عارف حكمت.
٦- الأصول المهمة في حصول المتمة، طبع مرتان آخرهما بتحقيق مشهور سلمان.
٧- الأعلام لفضائل بيت الله الحرام.
٨- الإنباء بأن العصا من سنن الأنبياء، في مكتبتي مصورة منه.
٩- أنوار الحجج في أسرار الحجج طبع بتحقيق أحمد الكردي.
١٠- بداية السالك في نهاية المسالك في شرح المناسك.
١١- بيان فعل الخير إذا دخل مكة من حج عن الغير مطبوع سنة ١٢٨٧ هـ.
١٢- تحسين الطوية في تحسين النية في مكتبة عارف حكمت نسختان منه.
1 / 10
١٣- تزيين العبارة لتحسين الإشارة طبع بتحقيق عثمان جمعه.
١٤- تسلية الأعمى عن بلية العمى وهو كتابنا هذا.
١٥- رسالة الإقتداء في الصلاة للمخالف، منه نسختان في مكتبة عارف حكمت.
١٦- رسالة في بيان التمتع في أشهر الحج للمقيم بمكة من عام، رأيت نسخة منه في المكتبة المذكورة.
١٧- رفع الجناح وخفض الجناح في أربعين حديثا في النكاح، في مكتبة عارف حكمت نسخة منه - وقد طبع بتحقيق مشهور سلمان.
١٨- شرح مسند أبي حنيفة، مطبوع بتحقيق خليل الميس.
١٩- شم العوارض في ذم الروافض، طبع سنة (١٤١٠هـ) .
٢٥- ضوء المعالي لبدء الأمالي، مطوع.
٢١- فتح الأسماع في شرح السماع، محقق في جامعة الإمام.
٢٢- فتح باب العناية في شرح كتاب النقاية، مطبوع الجزء الأول منه.
٢٣- فر العون ممن يدعي إيمان فرعرن، مطبوع بالقاهرة
٢٤- كشف الخدر في حال الخضر، مطبوع.
٢٥- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، طبع عدة مرات.
٢٦- المسلك المتقسط في المنسك المتوسط، مطبوع في بيروت.
٢٧- المعدن العدني في فضل أويس القرني، مطبوع.
٢٨- معرفة النساك في معرفة السواك، مطبوع.
٢٩- المقالة العذبة في العمامة والعذبة، منه نسختان في مكتبة عارف حكمت.
٣٠- المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية، طبع سنة ١٣٠٨هـ.
٣١- الهبات السنيات في تبيين أحاديث الموضوعات، لعله المطبوع
1 / 11
بعنوان: المصنوع في معرفة الموضوع سنة ١٣٩٨هـ.
٣٢- الهيئة السنية العلية على أبيات الشاطبية١.
وفاته:
كانت وفاة الشيخ ملا علي القاري، بمكة المكرمة سنة (١٠١٤هـ) في شهر شوال، وقد دفن بمقبرة] المعلاة [، رحمه الله٢.
_________
١ انظر مؤلفاته في هدية العارفين١/٧٥١-٧٥٣، مقدمة كتاب الأسرار المرفوعة، ورسالة بعنوان] الإمام على القاري وأثره في علم الحديث [، لخليل إبراهيم.
٢ خلاصة الأثر ٣/١٨٦، البدر الضالع١/٤٤٦، الأعلام٥/١٢.
1 / 12
ثانيًا: دراسة الكتاب
...
هذه الرسالة الموسومة بـ (تسلية الأعمى عن بلية العمى)، نسبها للشيخ علي القاري بهذا الاسم: إسماعيل باشا في كتابه: هدية العارفين:١/٧٥٢.
وقد ورد بعنوان آخر باسم: طرفة الهميان في تحفة العميان.
وقد أورد المصنف في رسالته هذه، الأحاديث الواردة عن النبي- ﷺ في ابتلاء الله تعالى عباده الصالحين، وما أعده لهم من الثواب الجزيل، والأجر العظيم، وخص من أهل البلاء، من فقدوا أبصارهم في هذه الحياة، وأن الله - تعالى- وعدهم بدخول الجنة إذا صبروا على ما ابتلوا به، واحتسبوا الأجر والثواب من الله تعالى. وقد ذكر المصنف- ﵀ أكثر من أربعين حديثا. في هذا الباب، مختلفة المراتب، فمنها الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف، وقد تبين لي ذلك عند تتبعي لها في كتب الأحاديث والآثار التي تهتم ببيان درجة الحديث، والكلام على إسناده، وستجد ذلك - أخي القارىء - مبينا وموضحا عند تعليقي على الأحاديث في ثنايا هذه الرسالة.
وصف النسختين المعتمدتين في التحقيق
عثرت لهذه الرسالة على نسختين خطتين، وهما من محفوظات،
1 / 15
مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة المنورة، وإليك وصفا لهما.
النسخة الأولى:
عدد أوراق هذه النسخة تسع ورقات، في كل ورقة واحد وعشرون سطرا، بمعدل تسع كلمات في كل سطر، وهي ضمن مجموع يشتمل على عدد من رسائل المصنف، محفوظ بالمكتبة المذكورة برقم "١٩/٨٢" مجاميع،، تبدأ هذه النسخة من ورقة رقم ١٤٧ حتى ورقة رقم ١٥٥، وقد كتبت هذه النسخة بخط عادي، وقد كثرت فيها الأخطاء اللغوية والنحوية، التي غيرت كثيرا من معاني الكلمات.
وقد رمزت لهذه النسخة عند التحقيق بالحرف"أ".
النسخة الثانية:
عدد أوراق هذه النسخة ثماني ورقات، تبدأ من ورقة ٣١٤ حتى ورقه ٣٢١، ضمن مجموع محفوظ بالمكتبة المذكورة برقم "٨٥/٤٣ مجاميع".
ولم تسلم هذه النسخة من أخطاء الناسخ ولا من السقط، إلا أن الأخطاء فيها أقل من سابقتها، وخطها أجمل من خط النسخة الأولى، وقد كتب في كل ورقة منها واحد وعشرون سطرا في كل سطر عشر كلمات تقريبا ورمزت لهذه النسخة بالرمز "ب".
1 / 16
عملي في التحقيق
يتلخص عملي في تحقيق هذه الرسالة بالآتي:-
١- قمت بنسخ الرسالة حسب قواعد الإملاء والخط الحديثة.
٢- أوضحت الفروق بين النسختين، وأثبت ما وجد من سقط فيهما.
٣- رقمت الآيات القرآنية الكريمة.
٤- خرجت جميع الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في الرسالة، ويعلم الله - تعالى- وحده، الصعوبات والعوائق التي واجهتها في تحقيق هذه الرسالة، ذلك أن المصنف ﵀ – أورد فيها ما يربو على خمسة وستين حديثا، معظمها ليست في الكتب الستة، وإنما هي مبعثرة في كتب المسانيد التي معظم ما فيها من الضعيف، كمسند الفردوس والشهاب وغيرهما.
فالمصنف- ﵀ اكتفى بنقل الأحاديث من كتاب شيخه المتقي الهندي "كنز العمال"، ولم يزد في التخريج على ما قاله شيخه الذي اعتمد بدوره على كتاب السيوطي "الجامع الصغير وزيادته".
وكان لزاما علي أن أتتبع كل حديث في مظانه، وخرجته من كل
1 / 17
كتاب غلب على ظني وجوده فيه، وقد كلفني ذلك وقتا وجهدا كبيرين، لكن عون الله تعالى وتيسيره ذلل كل الصعاب، وسهل الأسباب:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
فلله الحمد والمنة، على كرمه وجوده، وله الشكر على التيسير والتسهيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه أفقر العباد إلى الملك الجواد
عبد الكريم بن صنيتان بن خليوي العمري الحربي
في المدينة المنورة، منتصف ليلة الجمعة،
الخامس من شهر رمضان المبارك لعام ١٤١٣هـ
المدينة المنورة ص. ب ٨٩
1 / 18
ثالثًا: النص المحقق
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه التوفيق١
الحمد لله ذي الجود والعلاء، على ما أولانا من النعماء، في السراء والضراء، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والأصفياء،. وعلى آله وأصحابه سرج الإقتداء والاهتداء، أما بعد:
فيقول أضعف عبيد ربه القوي الباري، على بن سلطان محمد الهروي القاري، عامله الله بلطفه الخفي، وكرمه الوفي:
إن الله سبحانه عز شأنه، وجل برهانه، جعل البلاء، ثمرة الولاء لأهلي الاصطفاء، ولهذا ورد: "أشد الناس بلاءا الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل - أي الأفضل فالأفضل من الأولياء٢ - يبتلى الرجل على حسب دينه-
_________
١ في (ب) (رب زدني علما يا كريم) .
٢ وقال ابن الأثير: أي الأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى، في الرتبة والمنزلة، يقال: هذا أمثل من هذا: أن أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس: خيارهم. النهاية ٤/٢٩٦، وانظر فتح الباري ١٠/١١١، فضل الله الصمد ١/٦٠١-٦٠٢، فيض القدير للمناوي ١/٥١٨.
1 / 19
أي قدر قوة يقينه١ - فإن كان في دينه صلبًا٢، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة٣ ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء٤ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة٥ ".
رواه أحمد٦، والبخاري٧، والترمذي٨، وابن ماجة٩، عن
_________
١ فيض القدير١/٥١٩.
٢ قويا.
٣ ضعف ولين.
٤ في (أ): البلايا.
٥ هذا: كناية عن سلامته من الذنوب، وخلاصه منها، كأنه كان محبوسا فأطلق وخلي سبيله، فهو يمش على الأرض وما عليه بأس، ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد، فقد ذهب لبه، وعمي قلبه، فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى، فقد قتل الخلفاء الراشدون الثلاثة، والحسين بن علي،. وابن الزبير، وسعيد بن جبير، وضرب أبو حنيفة، وحبس، وجرد مالك وضرب بالسياط، وضرب أحمد حتى أغمي عليه - إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
وانظر: فيض القدير ١/٥١٩، سير أعلام النبلاء٣/٣٦٣،٢٨٠،٤/٣٢١، ٦/٣٩٠،٧/٢٢٩،٨/٤٨،١١/١٧٧، الإصابة ٢/ ٤٦٢،٥٠٧، ٥١٨.
٦ مسند أحمد١/١٨٥.
٧ لم يروه الإمام البخاري ﵀، وإنما وضع ترجمة لباب بمعنى هذا الحديث، فقال في كتاب المرضى ٤/٣: باب أشد الناس بلاغ الأنبياء، ثم لأمثل فلأمثل.
٨ الترمذي/ أبواب الزهد/ باب الصبر على البلاء٤/٢٨، ر. قم (٢٥٠٩)، واللفظ له، وقال حديث حسن صحيح.
٩ ابن ماجه، كتاب الفتن/ باب الصبر على البلاء٢/١٣٣٤، رقم (٤٠٢٣)
1 / 20
سعد١ بن أبي وقاص٢.
وروى البخاري في تاريخه٣، عن بعض أزواج النبي ﷺ: " أشد٤ الناس بلاءا في الدنيا نبي أو صفي٥ ".
وفي رواية للحاكم٦، وغيره٧، عن أبي سعيد - رضي الله
_________
١ في (أ): سعيد.
٢ ورواه بالإضافة إلى من ذكرهم المصنفة: ابن أبى شيبة/ كتاب الجنائز٢/٤٤٣، رقم (١٠٨٢٨)، والدارمى/ كتاب الرقائق/ باب أشد الناس بلاء٢/٢٢٨، رقم (٢٧٨٦)، والنسائي/ كتاب الطب٤/٣٥٢، رقم (٧٤٨١)، والبغوي في شرح السنة/ كتاب الجنائز/ باب شدة المرض٥/٢٤٤، رقم (١٤٣٤)، وابن حبان في صحيحه/ كتاب الجنائز٧/١٦١ رقم (٢٩٠١) والحاكم في المستدرك/ كتاب الإيمان١/٤٠ وصححه) والبيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الجنائز٣/٣٧٢، وفي شعب الإيمان/ باب الصبر على المصائب٧/١٤٢ رقم (٩٧٧٥)، والمحاملي في أماليه ١٧٩ رقم (١٥١) .
٣ التاريخ الكبير٨/١١٥، رقم (٢٤٠٠) .
٤ أشد: أسقطت من (أ) .
٥ قال جماعة من العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاغ ثم لأمثل فلأمثل؟ أنهم معصومون؟ بكمال الصبر وصحة الاحتساب، والأنبياء معصومون من الخطايا فتعلن الثواب. والله اعلم. وانظر: تسلية أهل المصائب لأبى عبد الله الحنبلي ص ١٧٢.
٦ الحاكم في المستدرك/ كتاب الايمان ١/ ٤٠، وكتاب الرقاق٤/٣٠٧، وصححه، ووافقه الذهبي.
٧ رواه أيضا: أحمد في المسند٣/٩٤، وابن ماجه في كتاب الفتن اباب الصبر على البلاء٢/١٣٣٤، رقم (٠٢٤ ٤)، وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأبو يعلى في مسنده٢/٣١٢، رقم (١٠٤٥)، والبخاري في الأدب المفرد ١/ ٦٠١، رقم (٥١٠)، والبيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الجنائز٣/٣٧٢، وفي شعب الإيمان/ باب الصبر على المصائب٧/١٤٢، رقم (٩٧٧٤) .
1 / 21
عنه- "ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء". وروى أحمد١ وغيره٢، عن رجل من بني سليم٣ مرفوعا: "إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له، ووسعه الله، وإن لم يرضى لم يبارك له، ولم يزد على ما كتب له". وفي الحديث القدسي، والكلام الإنسي: "من لم يرضى بقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر على نعمائي، فليلتمس ربا سواي"٤.
_________
١ مسند أحمد٥/٢٤.
٢ رواه أيضا: ابن أبي الدنيا في كتابه: الرضا عن الله بقضائه ص ٨٢ رقم (٥٤)، وأبو نعيم في الحلية٢/٢١٣، والبيهقي في الشعب/ باب الصبر على المصائب٧/١٢٥-١٢٦، رقم (٩٧٢٥) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٢٥٧، ورجاله رجال الصحيح، ورمز له السيوطي في: الجامع الصغير١/٧٤ بالصحة.
٣ جهالة الصحابي الراوي لا تقدح في صحة الحديث، إذ أن الصحابة عدول كلهم.
قال ابن كثير ﵀ في كتابه: اختصار علوم الحديث ص ١٨١: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأرواح والأموال بين يدي رسول الله ﷺ رغبة فيما عند الله ﷿ من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.
٤ الحديث ورد من طريق أبى هند الداري. رواه الطبراني في الكبير٢٢/٣٢٠، رقم (٨٠٧)، وابن حبان في كتاب المجروحين١/٣٢٧، والديلمي في مسند الفردوس٣/١٦٩، رقم (٤٤٤٩) .
قال الهيثمى في مجمع الزوائد ٧/٢٠٧: فيه سعيد بن زياد بن هند، وهو متروك، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير٢/٨١ بالضعف، وضعفه الحافظ ابن حجر، انظر: الإصابة ٤/٢١٢، كما أورده المصنف في كتابه الأحاديث القدسية ٣٨، وضعف إسناده.
1 / 22
وروى الإمام أبو حنيفة١، عن حماد٢، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود٣، عن عائشة ﵂ عن رسول الله – ﷺ أنه قال: "إن الله يكتب٤ للإنسان الدرجة العليا في الجنة ولا يكون له من العمل ما يبلغهما، فلا يزال يبتليه حتى يبلغهما" ٥. وقد ورد عنه ﵊ أنه قال: "إن الله ليبتلي المؤمن، وما يبتليه إلا لكرامته عليه" ٦.
_________
١ مسند أبي حنيفة ص ١٤- ١٥.
٢ هو حماد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة، أبو إسماعيل الكوفي، عداده في صغار التابعين، مات سنة ١٢٠هـ.
٣ الأسود بن يزيد بن قيس، أبو عمرو النخعي، أحد أجلاء التابعين، كان مخضرما، أدرك الجاهلية والإسلام، وثقه جمع من العلماء، مات سنة ٧٥ هـ.
٤ في المسند: ليكتب.
٥ ورد هذا الحديث من طريق أبي هريرة ﵁ مرفوعا بلفظ: "إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها".
أخرجه ابن حبان في صحيحه/ كتاب الجنائز ٧/١٦٩، رقم (١٩٠٨)، واللفظ له، وأبو يعلى في مسنده ١٠/٤٨٢، رقم (٦٠٩٥)، والحاكم في كتاب الجنائز ١/٣٤٤، وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان ٧/١٦٤، رقم (٩٨٥٥)، وأورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية٢/٣٣٩، رقم (٢٤٢٠) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢/٢٩٢: رجاله ثقات.
٦ ورد من طريق أبى فاطمة الضمرى ﵁، رواه البخاري في التاريخ الكبير ٧/٢٦٦، رقم (١١٢٩)، والطبراني في الكبير ٢٢/٣٢٣، رقم (٨١٣)، والبيهقي في الشعب ٧/١٦٤، رقم (٩٨٥٦)، (٩٨٥٧)، وابن عدى في الكامل٦/٢٢٠٣-٢٢٠٤، وأورده الحافظ في الاصابة ٤/١٥٤. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢/٢٩٣: وفيه محمد ابن أبي حميد، وهو ضعيف.
ورمز له السيوطي بالضعف. الجامع الصغير ١/٧٢.
1 / 23
ثم الابتلاء قد يكون بالسراء، وقد يكون بالضراء١، كما قال تعالى: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ ٢ أي امتحانا في محنة ومنحة٣.
وغالبا يكون بالضراء٤، كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصا برين﴾ ٥.
ومن جملة نقص الأنفس فقد النظر عن البصر، فإنه من أنفس الأعضاء.
وأشرف الأجزاء، فيكون الابتلاء به من أشد أنواع البلاء، والصبر
_________
١ تفسير الماوردي (النكت والعيون) ٣/٤٤٦-٤٤٧، معالم التنزيل للبغوي ٥/٣١٨، زاد المسير لابن الجوزي ٥/٣٥٠، الجامع للقرطبي ١١/٢٨٧، الدر المنثور ٤/٥٧٢، فتح القدير ٣/٤٠٦.
٢ الآية ٣٥ من سورة الأنبياء.
٣ روى الامام الطبري في تفسيره٩/٢٦، بسنده عن ابن عباس- ﵄ أنه قال: قوله تعالى: ﴿ونبلوكم بالشر والخير﴾ يقول: نبتليكم بالشدة والرخاء، والسقم والصحة، والفقر والغنى، الحرام والحلال، والمعصية والطاعة، والضلالة والهدى.
وروى بإسناده أيضا عن ابن عباس ﵄ أنه قال، قوله تعالى: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ قال: بالشدة والرخاء، وكلاهما بلاء.
٤ جامع البيان للطبري ٢/٤٤-٤٥، النكت والعيون للماوردي ١/٢٠٩-٢١٠، معالم التنزيل ١/١٦٩، زاد المسير ١/١٦٢، الجامع للقرطبى ٢/١٧٤، الدر المنثور ١/٢٨٥، فتح القدير ١/١٥٩.
٥ الآية ١٥٥ من سورة البقرة.
1 / 24
عليه من أعظم أصناف. النعماء، كما ابتلى الله بعض الأنبياء والأصفياء، منهم يعقوب، وشعيب، عليهما السلام١.
_________
١ قال، الصفدي في كتابه "نكت الهميان"ص ٤٢: "قال حذاق الأصوليين: إن العمى لا يجوز على الأنبياء، لأن مقام النبوة أشرف من ذلك، ومنعوا من عمى شعيب لإسحاق، وقالوا: لم يرد بذلك نص في القرآن العظيم، ليكون العلم بذلك قطعيا.
وأورد عليهم قوله تعالى عن يعقوب ﵇: ﴿وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم﴾، وقوله تعالى: ﴿فارتد بصيرا﴾، وبياض العين لا يكون إلا بذهاب السواد، ومتى فقد السواد حصل العمى، والارتداد لا يكون إلا عودا إلى الحالة الأولى، والحالة الأولى كان فيها بصيرا، فدل على أن الحالة التي ارتد عنها كان فيها أعمى".
وأجاب المانعون: بأن قوله تعالى: ﴿وابيضت عيناه﴾ كناية عن غلبة البكاء، وامتلاء العين بالدموع، وقوله تعالى: ﴿فارتد بصيرا﴾ ذهب جماعة من المفسرين إلى أنه كان قد عمي بالكلية، وقالت جماعة: بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء وكثرة الأحزان، فلما ألقوا القميص، وبشروه بحياة يوسف ﵇ عظم فرحه، وانشرح صدره، وزالت أحزانه، فعند ذلك قوي ضوء بصره، وزال النقصان عنه".
وقال الآلوسى في تفسيره،] روح المعاني ١٢/١٢٣ [: " قوله تعالى: ﴿وإنا لنراك فينا ضعيفا﴾ الآية (٩١ من سورة هود) أي لا قوة لك ولا قدرة على شيء من الضر والنفع، والإيقاع والدفع، وروى عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والثوري، وأبي صالح تفسير الضعيف بالأعمى، وهى لغة أهل اليمن، وذلك كما يطلقون عليه ضريرا، وهو من باب الكناية على ما نص عليه البعض، وإطلاق البصير عليه كما هو شائع من باب الاستعارة تمليحا. وضعف هذا التفسير بأن التقييد بقولهم: (فينا) يصير لغوا، لأن من كان أعمى، يكون أعمى فيهم، وفي غيرهم، وإرادة لازمه وهي الضعف بين من ينصره ويعاديه لا يخفى تكلفه.
إلى أن قال: والمصحح عند أهل السنة أن الأنبياء ﵈ ليس فيهم أعمى، وما حكاه الله تعالى عن يعقوب ﵇ كان أمرا عارضا وذهب، والأخبار المروية عمن ذكرنا في شعيب ﵇ أي من كونه أعمى - لم نقف على تصحيح لها سوى ما روي عن ابن عباس ﵄ فإن الحاكم صحح بعض طرقه، لكن تصحيح الحاكم كتضعيف ابن الجوزي كما غير معول عليها.
وقال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" ١٢/١٤٩، عند كلامه على قوله تعالى: ﴿وإنا لنراك فينا ضعيفا﴾ قال: ومن فساد التفاسير تفسير الضعيف بفاقد البصر، وأنه لغة حميرية، فركبوا منه أن شعيبا ﵇ كان أعمى، وتطرقوا من ذلك إلى فرض مسألة جواز العمى على الأنبياء، وهو بناء على أوهام، ولم يعرف من الأثر ولا من كنب الأولين ما فيه أن شعيبا ﵇ كان أعمى. والله تعالى أعلم. وانظر في هذا: جامع البيان ٧/٢٧٤،١٠٣، النكت والعيون ٢/٤٩٩،٣/٧٠، معالم التنزيل ٤/٢٦٧،١٩٧، زاد المسير ٤/٢٧٠،١٥٢، الجامع للقرطبي ٩/٢٤٨،٩١، الدر المنثور ٣/٦٢٩،٤/٥٦، فتح القدير٢/٥٢٠،٣/٤٨.
1 / 25
ومنهم: عبد الله بن عباس١، وابن عمر٢، وابن أم مكتوم٣
_________
١ عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، القرشي، حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، الصحابي الجليل، كان وسيما، جميلا، مديد القامة، مهيبا، كامل العقل، ذكي النفس، قال عنه طاووس بن كيسان: ما رأيت أحدا أشد تعظيما لحرمات الله من ابن عباس.
وقد ابتلى بالعمى في آخر حياته، وقال في ذلك أبياتا ذكرها المصنف ص ٣٢، ومات سنة ٧٨ هـ بالطائف.
ترجمته في: أسد الغابة ٣/١٩٠، وفيات الأعيان ٣/٦٢، سير أعلام النبلاء ٣/٣٣١، نكت الهميان ١٨٠.
٢ عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، من كبار فقهاء الصحابة، أسلم صغيرا، وهاجر إلى المدينة، كان من أهل الورع والعلم، كثير الاتباع لآثار رسول الله ﷺ، شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه، وكف بصره في آخر حياته، مات بمكة المكرمة سنة ٧٣ هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد ١٧١/١، الإصابة ٣٤٧/٢، نكت الهميان ١٨٣، الأعلام ٤/ ١٠٨.
٣ ابن أم مكتوم، اختلف في اسمه، فيقال: اسمه: عبد الله بن قيس القرشي، ويقال: عمرو ابن أم مكتوم، وعمرو أكثر، كما قاله الحافظ بن حجر، واتفقوا على نسبه، أنه ابن قيس بن زائدة، وأمه أم مكتوم، اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وكان ضريرا، من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل مهاجر النبي ﷺ، استشهد في معركة القادسية، وقيل بل رجع إلى المدينة بعد القادسية فمات بها، وكان ذلك سنة ١٥هـ، وسيأتى زيادة في ترجمته. انظر ص ٦٢ من هذا الكتاب.
ترجمته في: حلية الأولياء٢/٤، سير أعلام النبلاء ١/٣٦٠، الإصابه ٢/٥٢٣، نكت الهميان ٢٢١.
1 / 27