وعن النعمان بن بشير، قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي وتقول: وا جبلاه، وا كذا وا كذا، تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا وقد قيل لي: أنت كذلك؟ ! فلما مات لم تبك عليه.
رواه البخاري.
وروى الترمزي في جامعه «عن أبي موسى، أن رسول الله ﷺ قال: ما من ميت يموت، فيقوم باكيهم فيقول وا جبلاه، وا سيداه، أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟» قال الترمذي: حديث حسن غريب.
قوله: «يلهزانه»، اللهز: الدفع بجميع اليد في الصدر.
فصل - في أن البكاء لا ينفع الميت بل ينفعه العمل الصالح
وليعلم أن البكاء المجرد، ليس فيه منفعة للميت البتة وإنما ينفعه عمله، كما في صحيح البخاري ومسلم، من حديث «أنس بن مالك ﵁ عن رسول الله ﷺ، قال: يتبع الميت ثلاث، أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله» .
وفي الصحيح: «إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له» .
فلا منفعة للميت بالبكاء والانزعاج.
قال أبو الفرج بن الجوزي: أما بعد، فإني رأيت عموم الناس، ينزعجون لنزول البلاء، انزعاجًا يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت! وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟ والكبير إلا الهرم؟ والموجود سوى العدم؟! كما قيل:
على ذا مضى الناس، اجتماع وفرقة ...
... وميت ومولود وبشر وأحزان
وما أحسن ما روي عن بعض السلف، أن رجلًا جاءه وهو يأكل طعامًا، فقال له: لقد مات أخوك، أعظم الله أجرك فيه، فقال: اقعد وكل، فقد علمت
1 / 52