النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال النبي ﷺ لعمر: دعهن يبكين، وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله ﷺ: مهما يكن من القلب والعين، فمن الله والرحمة، ومهما كان من اليد واللسان، فمن الشيطان وقعد رسول الله ﷺ على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي، فجعل النبي ﷺ يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها» .
فقد ثبت في حديث موت زينب ورقية بنتي رسول الله ﷺ البكاء بعد الموت.
وقد جاء في آثار جمة «أنه ﷺ زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله» .
وصح «عنه ﷺ أنه قبل عثمان بن مظعون حتى سالت دموعه على وجهه» .
وتقدم قصة جعفر وعبد الله بن رواحة وأصحابهما.
وكذلك صح عن أبي بكر الصديق ﵁ أنه قبل النبي ﷺ وهو ميت، وبكى وأبكى.
وكذلك بكى علي على النبي ﷺ.
فهذه الأحاديث كلها دالة على جواز البكاء قبل الموت وبعده من غير كراهة، وما ذكره أصحاب الشافعي ومن قال بقولهم من الكراهة بعد الموت مستدلين بما تقدم من أحاديث النهي، فكلها محمولة على البكاء الذي معه ندب ونياحة.
ويؤيد ذلك ما يأتي ذكره: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، وفي لفظه: «يعذب بما نيح عليه» .
وأما من ادعى النسخ في حديث حمزة فلا يصح، لأن معناه لا تبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أحد.
ويدل على ذلك أن نصوص الإباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد، منها حديث أبي هريرة، لأن إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة، ومنها البكاء على جعفر وأصحابه، وكان استشهادهم في السنة الثامنة، وكذلك البكاء على زينب بنت رسول الله ﷺ، كان في الثامنة أيضًا، والبكاء على قبر أمه ﷺ كان عام الفتح.
وأما قولهم: إنما جاز قبل الموت حذرًا بخلاف ما بعد الموت.
جوابه: أن كان الباكي، قبل الموت، يبكي حزنًا، وحزنه بعد الموت أشد، لأنه قبل الموت ربما يرتجى، وبعده فقد فقدت الرجوى، فبكى لفراق لا عودة بعده في
1 / 41