174

تصوف

التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق

اصناف

اهتمام العلماء بالحكم العطائية

نحن مقبلون على التعرف إلى سفر من أسفار الأدب العالي: هو مجموعة الحكم التي نظمها ابن عطاء الله السكندري، وكانت هذه المجموعة مما يدرسه كبار العلماء في الأزهر الشريف، وكان المرحوم الشيخ محمد بخيت يدرسها للجمهور بعد العصر من أيام رمضان في مسجد الحسين، وقد حضرت عليه طائفة من تلك الدروس، وأنست بمعاني الحكم العطائية أشد الأنس.

واهتمام علماء الأزهر بدرس حكم ابن عطاء الله هو صورة جديدة للحفاوة بتلك اللآلئ النفيسة، فقد اهتم بها الناس من قبل، وظفرت بعدة شروح، أشهرها شرح الرندي وشرح الشرقاوي ، ولا تزال على كثرة ما لقيت من الشرح والدرس تبعث في قلوب المريدين أنوارا لم يتنورها الشارحون.

تهيب الشراح لأسرارها

وإنما قلنا هذا لأن الحكم العطائية نظمت نظما غنائيا روعي فيه أن تكون إشارات إلى أحوال النفوس، والنفوس تتغير وتتبدل، وتعتورها ألوان من الكدورة والصفاء، فما يفهمه هذا قد لا يفهمه ذاك، وما يرتضيه قوم قد يرفضه آخرون.

الجامع الأزهر وفيه كان ابن عطاء الله السكندري يلقي دروسا على الجمهور في شرح معاني التصوف.

ومن أجل هذا أضيفت حكم ابن عطاء الله إلى الرمزيات، وتهيبها الشراح فصرحوا بأن كلامهم ليس إلا طوافا حول ذلك السر المكنون، وفي ذلك يقول الرندي:

ولا قدرة لنا على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب، وما تضمنه من لباب اللباب؛ لأن كلام الأولياء والعلماء بالله منطو على أسرار مصونة، وجواهر حكم مكنونة، لا يكشفها إلا هم ولا تتبين حقائقها إلا بالتلقي عنهم، ونحن في هذه الكلمات التي نوردها، والمناحي التي نعتمدها، غير مدعين لشرح كلام القوم، ولا أن ما نذكره فيه هو حقيقة مذاهبهم، حسبما يفعله كل مصنف، فإنا إن ادعينا ذلك كان منا إساءة أدب، تئول بنا والعياذ بالله إلى العطب. وكنا قد تعرضنا للخطر والضرر في تعاطي ما لا يليق بنا من شرح كلام السادة من أهل الله تعالى من غير خوف ولا حذر، وإنما نورد ذلك على حسب ما فهمناه من كلامهم، وما انتهى إلينا علمه من مذاهبهم، فإن وافقنا فيه حقيقة الأمر، وعثرنا على مكنون السر، كان ذلك من النعم التي لا نحصي لها شكرا، ولا نقدر لها قدرا، وإن خالفنا ذلك، ولم نهتد إلى تلك المسالك، أحلناه على نقصنا وجهلنا، وانتقى عنا التغرير بقولنا وفعلنا، واقتصر الأمر في ذلك علينا، وكانوا هم مبرئين مما قلنا ونوينا.

وهذا الكلام يذهب بصاحبه إلى تقديس الحكم العطائية، وهو يشبه ما يقوله علماء الأزهر في هذه الأيام عن ترجمة القرآن، إذ يصرون على أن تصدر الترجمة بمقدمة ينص فيها على أن هذا هو ما فهموه من القرآن ، وقد يكون الله أراد معاني لم يهتدوا إليها ولم تخطر لهم على بال.

سر البلاغة

نامعلوم صفحہ