تصوف اور امام شعرانی
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
اصناف
ويحدثنا صاحب «المناقب» عن إيمان جبابرة الترك من الولاة والوزراء بكرامات الشعراني وقوته فيقول: فقد ترتب على هذا الخوف أن الولاة كان إذا زارهم الشعراني أسرعوا إليه يقبلون يديه، ويتبركون به، ويجلسون على الأرض بين يديه، ويسارعون إلى قضاء أوامره وشفاعاته.
ويقول لنا صاحب «المناقب» أيضا: إن الأمراء كانوا يلتمسون منه أن يوصي بهم خيرا أينما اتجهوا في أرجاء الإمبراطورية التركية، حتى إنه كتب مرة يوصي العجم والروم بالأمير جاثم الحمزاوي، كما كان يولي القضاة والمحتسبين وكبار الموظفين، ويرجع إليه في كل أمور الدولة صغيرها وكبيرها.
بل إن علي مبارك ليحدثنا عن خوف الإمبراطورية التركية كلها من الشعراني، ومسارعتها إلى إرضائه اتقاء لغضبه.
ويكفي للدلالة على مكانة الشعراني ما يرويه لنا أيضا علي مبارك، من أن أحد الولاة تعرض لذرية الشعراني بعد وفاته، فتسامع السلطان في تركيا بأنباء هذا العدوان، مع أن أحدا من ذريته لم يرفع شكواه إليه، فأرسل السلطان بكف العدوان عنهم، وهدد من ركب رأسه في مناوأتهم باعتباره طريد القانون، وأنذر بإهدار دمه جزاء عناده.
حتى الموت لم يستطع أن يحجب نفوذ الشعراني؛ لأنه نفوذ قام على الإيمان والعقيدة، وكل ما يتصل بالإيمان والعقيدة خالد لا يفنى.
الزعيم الروحي والشعبي
في الشعراني تمثلت خصائص الزعيم الشعبي والمكافح على أكمل ما تكون هذه الخصائص من قوة نفسية متمردة على الظلم، وقوة بيانية تثير العواطف، وتلهب الحس، وفوق هذا وذاك الحاسة الشعبية الساحرة التي تشعر بأحاسيس الجماهير، وتتفاعل معها - حتى كأنها منها - وهي تقودها وتهيمن عليها.
وفي الشعراني تمثلت خصائص الزعيم الديني الملهم على أوضح ما تكون تلك الخصائص، من قوة إيمانية لا يرهبها الظلم، ولا ينال منها الإغراء، وقوة أخلاقية لا تلين للشهوات، ولا تميل مع الأهواء، وفوق هذا وذاك ذلك السحر الصوفي الأخاذ الذي يضفي على صاحبه هالات القداسة، وأضواء الحب والإجلال.
وقل بين رجال التاريخ من جمع بين هذين اللونين من ألوان الزعامة، فلا غرو إذا رأينا الشعراني يظفر بين معاصريه بالقيادة العامة التي لا تطاولها زعامات، ولا تدنو منها مقامات.
ولقد كان موقف الشعراني في وجه القوة التركية، ممثلا في الولاة والوزراء، البداية الحقيقية لبناء الشخصية المصرية المستقلة، التي توارت طويلا تحت حكم المماليك والأتراك، حتى وجدت في الشعراني فجرها وصاحبها، فتركزت حوله آمالها وأمانيها، وأخذت تتكون حوله شيئا فشيئا أولى المجموعات الشعبية المصرية بخصائصها ومميزاتها؛ لتأخذ دورها التاريخي الذي تجلى مشرقا غلابا خلال حملة نابليون على مصر وما تلاها من أحداث.
نامعلوم صفحہ