تصوف: روحانی انقلاب
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
اصناف
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ،
16
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون .
17
الإسلام دين يأخذ بفضيلة الوسط: لا إفراط ولا تفريط. يدعو إلى الزهد في الدنيا: أي القصد في الشهوات، لا إلى الحرمان واعتزال الدنيا ومن فيها وما فيها. يدعو إلى التمتع بالحلال، لا إلى الانهماك في الحلال والحرام؛ لأن الإسلام قبل كل شيء وبعد كل شيء دين عملي اجتماعي، والزهد بالمعنى المسيحي أو البوذي مخالف لروح الحياة الاجتماعية.
وقد اعتمد زهاد المسلمين الأوائل كل الاعتماد على ما ورد في القرآن من آيات تشير إلى الزهد وموقف الإنسان من الدنيا ومن النفس ومن الله والدار الآخرة ، واستوحوا معاني هذه الآيات في إقامة نظام للزهد له قواعد وأصول ورياضات. ثم جاء المتأخرون فخرجوا من الآيات القرآنية ما شاء لهم التخريج وتوسعوا في معانيها توسعا ارتفع بها إلى مستوى البحوث النظرية، وذلك في ظل تجاربهم الروحية من جهة، وظل الثقافات والفلسفات الأجنبية غير الإسلامية من جهة أخرى. (2) العامل الثاني
والعامل الثاني في نشأة الزهد في الإسلام هو ثورة المسلمين الروحية ضد نظام اجتماعي وسياسي قائم؛ وذلك أن المسلمين عندما اتسعت فتوحاتهم وكثرت غنائمهم أقبل الكثيرون منهم على الدنيا وجنحوا إليها، وشجعهم على ذلك الثراء المفاجئ الذي أصابوه، وكانت نتيجة ذلك أن قامت في نفوس أتقيائهم ثورة داخلية هي نزاع بين نفس لا تزال على إيمان غض قوي، ودنيا مقبلة عليهم بشهواتها ومباهجها، وكان الطريق الوحيد للتخلص من هذا المأزق هو الفرار من الحياة وما فيها من لذات، ورياضة النفس على الطاعات والمجاهدات، وربما كانت دعوة أبي ذر الغفاري صدى لهذه الثورة تمثلت في النقمة على أصحاب الثراء من بني أمية وغيرهم.
وتظهر آثار هذه الثورة ضد مطامع النفس من جهة ومغريات الحياة من جهة أخرى، من بين ثنايا أقوال الصوفية في كل العصور، ولكنها أظهر ما تكون في مواعظ الحسن البصري ووصايا المحاسبي، فإن الصوفية بتنظيم حياتهم الروحية قاوموا الحياة الاجتماعية الجارفة وحيوا حياة مطمئنة لا تستهدف لخطر.
ولكن أتقياء المسلمين ثاروا على النظام السياسي القائم كما ثاروا على النظام الاجتماعي غير العادل، فكما قاوموا الحياة ومغرياتها بطريقة إيجابية، قاوموا الحكم السياسي الجائر بطريقة سلبية، فكأنهم بذلك ثاروا على السلطتين جميعا؛ سلطة الحكام وسلطة النفس.
لقد حدثت في المائة الأولى من عهد الإسلام حوادث سياسية خطيرة مثل الحروب الأهلية الدامية الطويلة التي وقعت بين علي ومعاوية، والفتن والقلاقل في عهد عثمان من قبل، والاضطرابات بين بني أمية والبيت العلوي بعد ذلك، وتبع كل هذا اضطهاد لآل البيت وتشريد وتقتيل وكبت للحرية الشخصية لم يسبق له مثيل.
نامعلوم صفحہ