ترجمہ فی عالم عربی
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
اصناف
ما الترجمة؟ ولماذا؟
وجود الإنسان/المجتمع وارتقاؤه اجتماعيا ونفسيا وثقافيا وفكريا، بل وبيولوجيا، رهن العمل الاجتماعي العقلاني المجسد للمعرفة. وهذا النشاط الاجتماعي المزاوج بين العمل والمعرفة هو ما يمنح الإنسان/المجتمع أقوى أداة وأكبر إمكانات متاحة للسيطرة على مصيره؛ أي للتحرر، وليكون له الخيار في تقرير مستقبله. ورصيد المعرفة الاجتماعية هنا من مصدرين أولين متداخلين في لحمة واحدة: (أ)
معرفة هي ثمرة العمل أو الإنجاز الاجتماعي. (ب)
معرفة هي ثمرة السعي الاجتماعي النشط بدافع الفضول، لاكتساب خبرات الآخرين في إطار المواكبة والمنافسة.
وبقدر فعالية الإنسان/المجتمع بقدر ما يكون ثراء هذا الرصيد، وغنى الحوار، وبقدر ما يتجلى مرة أخرى في قدرة الإنسان/المجتمع المتعاظمة على النشاط والحركة الهادفة المثمرة الإيجابية في بيئته؛ إذ إن هذا النشاط وثراء الرصيد هما نشاط معلوماتي وثراء معرفي يصبان في فعالية هادفة. وتعطل هذا النشاط يعني انحسارا ونكوصا إلى معارف موروثة مقطوعة الصلة بالحاضر، ترسخ الغربة الاجتماعية والانكفاء على النفس، وفقدان سلاح معايشة العصر، ناهيك عن المواكبة أو المنافسة أو الصراع.
أقصد بهذا أن الحياة المعرفية للإنسان/المجتمع هي أولا نشاط إبداعي، وهي أيضا تفاعل أو ترجمة متصلة نشيطة فيما بين المجتمعات، وأنها هي عماد الحياة المجتمعية الفاعلة؛ ومن ثم تكون الترجمة توسيعا لدائرة الحوار والمعرفة، وبالتالي توسيعا لدائرة الفعالية؛ ومن ثم حرية الإنسان/المجتمع.
الترجمة بهذا المعنى هي حوار حضارات، وهو حوار شامل جميع مجالات المعرفة، علوما إنسانية وطبيعية. والترجمة أداة اكتساب وأداة تعبير عن عزم الإنسان/المجتمع على استيعاب أكبر قدر يعنيه باختياره وإرادته، من حصاد المعارف الإنسانية، التي هي سلاح الإنسان في التطور والمنافسة والارتقاء، والأخذ والعطاء على المستوى الحضاري، تعزيزا للوجود.
وحوار العصر حوار علمي منهجا ولغة وفكرا وإنجازا. وأريد بكلمة الحوار أن أتجاوز كلمة النقل الشائعة كمرادف للترجمة؛ إذ ليست الترجمة المنشودة مجرد نقل من لغة إلى لغة عبارات مسطورة بين دفتي كتاب، لا تخلق تيارا فكريا، ولا تدخل في نسيج رؤية للوجود والحياة، ومن ثم تظل عاطلة من الطاقة الدافعة للحراك الاجتماعي. الحوار هنا هو حوار فكر وأفعال وإنجازات علمية تؤكد وجود الإنسان/المجتمع، وجودا فاعلا ومؤثرا في العلاقات بين المجتمعات التي هي علاقات تنافس قد يتصاعد إلى حد الصراع، وتكون فيه الغلبة للأقدر علميا والأنشط عمليا؛ أي الأقدر على الإنجاز العلمي في شتى مجالات الطبيعة والمجتمع والنفس، والأقدر على إنجاز أكبر قدر من المعلومات الصحيحة، والأسرع كذلك في معالجتها وتوظيفها لأهدافه. والحوار العلمي هنا مجلى للمنافسة وامتلاك واستراق أسباب تقدم الآخر في مضمار المنافسة والتحدي والملاحقة والتجاوز. وأعني بالحوار العلمي ذلك الحوار المرتكز على الجهد النسقي المنطقي المنظم منهجيا، والمتبلور في صورة نظريات هادية، ومن ثم يدور الحوار بلغة حضارة العصر؛ أي بفكرها العلمي ومنهجها العلمي في التفكير والبحث، وبعلومها الأساسية ذات السيادة. وحوار اجتماعي على هذا المستوى لا يتوافر إلا بين أطراف يسهمون جميعا بنصيب في النشاط الاجتماعي العلمي، وإبداع المنهج والنظريات.
وهكذا تغدو الترجمة - كنشاط اجتماعي - أداة المجتمع للتفاعل مع الجديد في العلوم والفنون والإنسانيات، وتمثل عاملا أساسيا ضمن مجموعة عوامل متكاملة للتقدم الحضاري. وباتت اليوم أكثر لزوما مع السرعة المذهلة في مظاهر التقدم العلمي والتقني على المستوى العالمي. وتصبح الترجمة بصورتها هذه تعبيرا مكثفا عن المجتمع في تحولاته الإنسانية الشاملة، وعلى المستويات كافة. ومن هنا وفي ضوء عرضنا التالي لواقع الترجمة في العالم العربي، أرى الحديث عن الترجمة إنما هو دعوة لإعادة تكوين البنية الذهنية للإنسان العربي، تكوينا حضاريا من حيث المحتوى وآلية الاستجابة؛ فالإنسان العربي بوضعه وبحالة بنيته الذهنية وآلية ردود أفعاله، غير مؤهل للتعامل مع التحديات الحضارية. وإن الحفاظ على البقاء هو تحد حضاري شامل لكل أنشطة وعلاقات حياتنا الاجتماعية التقليدية، وإن القدرة على مواجهة إسرائيل أو غيرها هي قدرة على مواجهة حضارية وليست عقائدية.
والصراع الحضاري ينطوي دائما على صراع ثقافي، بمعنى الثقافة الأعم كإطار معرفي قيمي حاكم للسلوك الاجتماعي. والأساس العميق لهذا الصراع، كما يقول توينبي، هو آلية التحدي والاستجابة، وهي آلية مستمرة استمرار المجتمعات، ومشروطة بظروف وملابسات التنشئة والنشاط الاجتماعيين. وها هو ذا التحدي ماثل بين ظهرانينا، بل وفي داخل أراضينا من واقع التخلف، واقع مادي يحاصرنا ويؤزمنا. والسؤال عن الاستجابة وعن المستجيب فكرا وتأهيلا.
نامعلوم صفحہ