ترجمہ فی عالم عربی
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
اصناف
تحديث اللغة وتحديث المجتمع
إن المصطلح العلمي المترجم في مجتمع راكد يكون مصطلحا استاتيكيا فاقدا لعنصر التطور الحياتي، بل وربما لا يساهم في تغيير الرؤية العامة للكون إلا عند عدد محدود منعزل، بينما في مجتمع يشكل العلم فيه مؤسسة نشطة فاعلة، نجد المصطلح إبداعا حيا ومتطورا ووجودا ماثلا في الذهن والواقع.
وغني عن البيان أن تقديم مصطلح أو معجم مصطلحات يعني جهدا أمينا طموحا يستهدف المشاركة ضمن عملية ترشيد تاريخية شاملة لتحديث المجتمع على جميع المستويات بما في ذلك تحديث اللغة. ولكن ماذا لو أن هذا الجهد يصب في مجتمع راكد لا حاجة به إلى مفردات تتجاوز ميتافيزيقا الغياب؟ ستغدو الكلمة خلقا ذاتيا في حالة حصار وليست نبتا طبيعيا نابعا من خضم الحياة الصاخبة، واستجابة لوظيفة واقعية وحاجات عملية تلح على إيجاد المصطلح ليأخذ سبيله في حياة المجتمع، وتكتمل به عناصر الخطاب العلمي والاجتماعي المحدد المفاهيم في تطور ارتقائي نحو المزيد. وهنا في مجتمع الفعل أو النشاط الإنتاجي يغتني المصطلح بما يملكه من رصيد في نشاط المجتمع وما يحققه من حاجة اجتماعية وممارسة حياتية.
نحو إنشاء مؤسسة عربية للترجمة
تمثل الترجمة نشاطا اجتماعيا في الاتجاه الصحيح، حين تكون وجها لاستراتيجية تنموية شاملة، ومن ثم دافعا قوميا، وحاجة فعلية وليدة نشاط اجتماعي إنتاجي، وبذا تكون بحق بعض النشاط المعبر عن الهوية الثقافية للمجتمع، وتساهم الترجمة إيجابيا في تعزيز وجودنا المستقل، ودعم الروابط المشتركة لأبناء المجتمعات العربية وتوحيد ثقافتهم وفكرهم المشترك من خلال نظام تعليمي علمي مشترك، ونشاط علمي موحد أو متناسق؛ حيث يصبح النشاط العلمي نشاطا مؤسسيا لمجتمع علمي موحد اللغة، ومتكاملا مع المجتمع الواسع.
ومن التحديات التي تواجهنا في مجال الترجمة، علاوة على التحديات الحضارية، أننا لا نجد إجابة واضحة عن تساؤلات كثيرة: لماذا نترجم؟ وماذا نترجم؟ ومن الذي يترجم؟ ولمن نترجم ؟ ومن الناشر؟ وكيف نختار الكتب المستهدفة؟ وما مدى علمنا بالمنشور كله؟ ومدى علمنا بأهداف مجتمعنا؛ أي مدى تأصيل هذه الأهداف - إن وجدت - في بنية الوعي والقيم الاجتماعية؟ ومن الذي يوجه حركة الترجمة في مجتمعنا الآن إن صح تسميتها حركة اجتماعية؟ وما هو دور مؤسسات النشر في تشجيع الحركة وانتمائها؟ والملاحظ أن نسبة كبيرة من المترجمات تدفع بها مؤسسات خارجية لها رؤيتها الخاصة المتمايزة. ثم أخيرا أين تصب جهود الترجمة في المجتمع؟ وهل من سبيل للتنسيق المثمر بين هذه الجهود من حيث الاختيار والإصدار والانتشار؟
وضاعف من خطر التحديات أن تضاعفت كلفة طبع ونشر الكتاب بعد ارتفاع أسعار الورق وما فرضته اتفاقيات دولية جديدة.
نحن مقبلون على حقبة تثاقف قسري مكثف، أو صراع ثقافي غير متكافئ. وهذه الحقبة أحد مظاهر التحدي الحضاري، سواء جرى التثاقف باسم المتوسطية، أو الشرق أوسطية، أو العالمية. ونحن في جميع الأحوال عاطلون من أسباب المناعة الثقافية التي تمثل العلم والإنتاج العلمي ركيزتها؛ مما يجعلنا فريسة محتملة، وبدلا من أن يكون التفاعل ثقافيا صحيا سوف يتراوح ما بين الارتماء على الآخر أو الانكفاء على الذات، ونغدو نماذج لتاريخ انقرض.
إنها تحديات توجب اتخاذ خطوات جديدة جريئة غير مألوفة بدلا من - أو قبل - أن نصبح بالحتم فريسة للأمية العلمية والضياع، حين نسير في الترجمة فرادى على غير هدى، أو يعز علينا الحصول على الكتاب لتجاوز كلفته حدود الطاقة. الخطر جماعي، ومن ثم يتعين أن تكون الاستجابة جماعية؛ أعني التزام نهج قائم على حشد الطاقات لا يلغي خصوصية النشر وإنما يجمع وينسق.
من هنا أدعو إلى قيام «مؤسسة عربية للترجمة»، وأتجه بهذه الدعوة من منطلق الإيمان بأن الترجمة نشاط اجتماعي هادف له عائده المجتمعي الشامل، ومن مقتضى تضافر الجهود لتصب الروافد في مجرى رئيسي على المواجهة وخلق الإمكانات والتقدم في ثقة واعية.
نامعلوم صفحہ