الليل ستار، والناس بعد نيام، فلا بأس عليها أن تخترق شوارع القرية، وهي آمنة بعض الأمن، وكان بيت العمدة في جوف القرية والطريق إليه يخترق الكثير من الدروب. وكلما أوغلت في الطريق اقتربت من الأمن، حتى بلغت بيت العمدة، وقلبها يوشك أن يقف من الخوف.
وطرقت الباب طرقا رقيقا، فكأنها طارق من السماء مرة واثنتين وثلاثا، ثم انفتح الباب، واستقبلها العمدة. - هل أتيت به؟ حسنا! - هل أدخل؟ - بل انتظري. - ماذا؟ - إن زوجتي سافرت إلى أسوان عند أختي منذ اتفقنا بعد أن أعلنت هنا أنها حامل. - إذن. - إذن لا بد أن نسافر بالطفل إلى أسوان لتعود به زوجتي، ونعلن أمره إلى الناس. - ولكن الطفل يحتاج إلى رضاعة. - ادخلي فأرضعيه، هل معك ما ترضعينه به؟ - نعم. - إذن فأرضعيه، وأسرعي حتى أنادي سائق السيارة ونسافر.
وسرعان ما أخذت السيارة طريقها إلى أسوان، وكان الفجر يرسل أشعته الأولى إلى الطريق.
وصلت السيارة إلى أسوان، والنهار يملأ الدنيا، وقال العمدة لعزيزة: ابقي حيث أنت. - لماذا؟ - لآتي بزوجتي ونعود. - ألا تعرف أختها بالأمر؟ - بل تعرف. - فما لي لا أنزل بالطفل حتى أرضعه وأريحه بعض الشيء، ونعود به وقتما تشاء، فلم يعد في الأمر عجلة. - معك حق .. انزلي.
وجاءت الأم المزيفة، واستقبلت ركب ابنها الذي لم تلده، ورفعت عن وجهه الدثار، وأشرق وجهها بابتسامة عريضة. - بسم الله ما شاء الله! حلو هو كالقمر ... وقال العمدة: أريني ابني هذا الذي لم أنجبه ... سبحان الخلاق العظيم في وجهه سمو! وسارعت زوجته قائلة: واسمه سامي، إن شاء الله!
ثم نظرت إلى أخته. - هل ستبقين معه؟ - إذا أردت. - حسنا، ولكن هل سبق لك أن رعيت طفلا؟ - الحقيقة لا. - إذن؟! - هل تريدين له من ترضعه؟ - يا ليت. - أعرف في بني عمران أما فقدت رضيعها، وهي فقيرة، وأستطيع أن آتي بها لترعاه وترضعه. - على بركة الله، ولكنني أحببتك لماذا لا تبقين مع المرضعة وتساعدينها في رعاية سامي. - وأنا والله أحببتك يا ست هانم منذ رأيتك أول مرة حين اتفقنا على إحضار الطفل لك. وما أحب إلي أن أبقى في بيتك. فنحن لم يعد لنا في بني عمران شيء يستحق أن نبقى إلى جانبه. الفدانان سيزرعهما خالي ... المهم أنني أحب أن أبقى معك ومع المحروس سامي.
وعاد الركب الذي خرج متخفيا من التمرة في باكر الصباح، وبلغ بيت العمدة قبل أن تغرب الشمس، وأعلن عن عودته بالزغاريد وبالدفوف وبالمزمار.
لقد أنجب العمدة ولدا بعد أن ظل عشر سنوات محروما من النسل.
وكما استطاعت عزيزة أن تهرب بالطفل، استطاعت أن تدبر لأمها مهربا، ولكن بطريقة مختلفة كل الاختلاف. فقد أدركت أن أمها بعد الولادة التي لم يعرف بأمرها أحد أصبحت هيئتها غير تلك التي يعرفها عنها المترصدون لها. وإمعانا في التنكر ألبست أمها ملابس خالها، وخرجت بها بعد غروب الشمس بقليل، حتى ليرى الرائي فيها جسما، ولا يستطيع أن يتبين وجها. وجازت الحيلة، وبلغت الأم مأمنها لترضع وليدها الذي أصبح ابن العمدة، أصبح اسمه سامي زين الرفاعي، فاسم العمدة زين، واسم أسرته الرفاعي.
ولكن الأم تعلم أن الذي ترضعه هو وليدها، وهي بهذا قريرة العين هانئة، وليكن اسم أبيه بعد ذلك ما يكون، ما دام قد نجا من أعداء أبيه، وكتبت له الحياة.
نامعلوم صفحہ