كان هنري فورد رجلا فذا، وهو في التعبير الإنجليزي «قد صنع نفسه»؛ أي: أنه ربى نفسه، وجمع ثروة تعد بالملايين، وأنشأ مصانع غيرت بنظامها وإنتاجها المجتمع الأمريكي؛ أي: أنه كان عصاميا في تربيته، وثقافته، وثروته، وجاهه، ولذلك يجب أن نسترشد بحياته وندرس أقواله؛ لأنها ثمرة الخبرة والمعرفة.
ومن أحسن ما قاله بشأن النقود وادخارها قوله: «كان يقال للشبان فيما مضى: ادخروا كي لا تفتقروا في شيخوختكم، ولكن الواقع أن الذين يحسنون صرف النقود لا يفتقرون، ولذلك أقول للشبان: أنفقوا نقودكم، ولكن يجب أن تتأكدوا بأنكم تنفقون على الأشياء التي تعمل لرقيكم، وتتقدم بكم إلى الأمام من المكان الذي كنتم فيه في الأمس.».
وهذه كلمات الحكمة ينطق بها حكيم مجرب، ذلك أننا لا ننتفع بالنقود إلا عندما ننفقها، أما حين تبقى مدخرة فإن انتفاعنا بها من حيث ترقية شخصيتنا، أو الاستمتاع بالرفاهية أو الصحة أو السعادة، هذا الانتفاع يبقى معطلا، وإنما يبدأ الانتفاع حين يبدأ الإنفاق، وبكلمة أخرى نقول: إننا لا نبدأ في امتلاك النقد واستخدامه إلا في وقت الابتداء في إنفاقه.
والشاب الذي يحسن الإنفاق، ويوجه نقوده إلى الأهداف التي تزيد سعادته وكفاءته لن يخشى الفقر؛ لأنه وهو ينفقها إنما يربي نفسه، حتى حين يخسر بعض ما ينفق؛ لأن أقل ما يقال هنا أنه كسب الخبرة، أما ذلك الذي يشن على نفسه، ويكنز ما جمع من المال، فإنه يبقى فقيرا في شخصيته وثقافته واستمتاعه وسعادته، حتى ولو بلغ ما يكنزه الألوف من الجنيهات.
أيها الشاب: أنفق كثيرا واشتر بنقودك الاختبارات والاستمتاعات التي تكبر شخصيتك وتربي عقلك وعواطفك وتزيدك حكمة وشبعا من الدنيا.
الفصل الخمسون
كلمات جديدة
هناك كلمات تؤدي كل منها دلالة ترفعها إلى مقام الشعار الذي يعين السياسة أو الأخلاق أو السلوك، بل إنها لتعين برنامجا تحيا به الدولة أو ينهج عليه الفرد في حياته ويستهدف به نبلا وكرامة وسعادة.
ومن أحسن الكلمات التي شاعت في أوروبا هذه الأيام هذا الوصف الذي توصف به الدولة حين نقول: «دولة إيجابية»، فإن دلالة هذه الكلمة تزيد على المعنى المألوف من الكلمات؛ إذ هي شعار للدولة ، ذلك أننا تعودنا على أن نطالب الحكومة بألا تتدخل في شئون الفرد أو المجتمع إلا بأقل مقدار، وكنا نقنع منها بتعميم الأمن، كأننا نؤثر أن تكون سلبية، فيما عدا الأمن، لا تعنى بالصحة أو التعليم أو نحو ذلك.
ولكن وصف الحكومات المصرية بأنها إيجابية هو تبدل كبير في معنى خصائص الدولة ومهمتها، فالدولة العصرية هي التي لا تقف سلبية مكتوفة، وتترك الحبل على الغارب للمباراة الاقتصادية حتى يأخذ الثراء والفقر مجراهما بلا عائق، وإنما هي التي تتقدم وتعمل وتفتح الميادين الجديدة لألوان كثيرة من النشاط، وليس التأميم الذي شاع في أوروبا إلا بعض هذه السياسة الإيجابية.
نامعلوم صفحہ