طریق اخوان صفا
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
اصناف
9
واعلم أن كل نبي بعثه الله فأول من كذبه مشايخ قومه المتعاطون الفلسفة والنظر والجدل، كما وصفهم تعالى فقال:
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون »
10 (45: 4، 51-52). وأول ما يتلقاه الشاب في فترة تحضيره للانخراط في الجماعة هو التعليم المناسب: «واعلم بأن خير شيء يرزقه الإنسان [هو] السعادة، وأن السعادات نوعان: داخل وخارج؛ فالذي هو داخل نوعان؛ أحدهما في الجسد والآخر في النفس. فالذي في الجسد كالصحة والجمال، والذي في النفس كالذكاء وحسن الخلق، والذي من خارج نوعان: أحدهما ملك اليد كالمال ومتاع الدنيا، والآخر الأقران من أبناء الجنس كالزوجة والصديق والولد والأخ والأستاذ والمعلم ... فمن أسعد السعادات أن يتفق لك يا أخي معلم رشيد عالم عارف بحقائق الأشياء والأمور ... ومن أنحس المناحس أن يكون لك ضد ذلك. واعلم أن المعلم والأستاذ أب لنفسك وسبب لنشوئها وعلة حياتها، كما أن والدك أب لجسدك وكان سببا لوجوده. وذلك أن والدك أعطاك صورة جسدانية ومعلمك أعطاك صورة روحانية ...» (45: 4، 49-50).
لا يقتصر تعاون إخوان الصفاء على النواحي العلمية والروحانية، وإنما يشمل كل نواحي الحياة: «فينبغي لإخواننا ممن رزق المال والعلم جميعا أن يؤدي شكر ما أنعم الله، عز وجل، به عليه بأن يضم إليه أخا من إخوانه ممن قد حرمهما، ويواسيه من فضل ما أتاه الله تعالى من المال؛ ليقيم به حياة جسده في دار الدنيا، ويرفده ويعلمه من علمه لتحيا به نفسه للبقاء في دار الآخرة ... ولا ينبغي له أن يمن عليه بما ينفق عليه من المال ولا يستحقره، ويعلم أن الذي حرم أخاه هو الذي أعطاه؛ وكما أنه لا يمن على ابن له جسداني فيما يربيه وينفقه عليه من ماله ... كذلك لا يجب أن يمن على ابنه النفساني؛ لأنه إذا كان ذلك ابنه الجسداني فهذا ابنه النفساني، كما روي أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال لعلي عليه السلام: أنا وأنت أبوا هذه الأمة. وقال
صلى الله عليه وسلم : المؤمن أخو المؤمن من أبيه وأمه ... وبهذا المعنى قال المسيح، عليه السلام، للحواريين: جئت من عند أبي وأبيكم ... فهذه الأبوة نفسانية لا ينقطع نسبها كما قال النبي، عليه السلام: يا بني هاشم لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم، فإني لا أغني عنكم من الله شيئا. إنما أراد النسبة الجسدانية لأنها تنقطع إذا اضمحلت الأجسام وبقيت النسبة النفسانية ...
وأما من رزق المال ولم يرزق من العلم من إخواننا، فينبغي له أن يطلب أخا ممن قد رزق العلم ويضمه إليه، ويواسيه هذا من ماله ويرفده هذا من علمه، ويتعاونان جميعا على إصلاح أمر الدين والدنيا ... فهكذا ينبغي أن يكون تعاون إخوان الصفاء في طلب صلاح الدين والدنيا، وذلك أن معاونة الأخ ذي المال للأخ ذي العلم بماله، ومعاونة الأخ ذي العلم للأخ ذي المال بعلمه، في صلاح الدين، كمثل رجلين اصطحبا في الطريق في مفازة، أحدهما بصير ضعيف البدن معه زاد ثقيل لا يطيق حمله، والآخر أعمى قوي البدن ليس معه زاد، فأخذ البصير بيد الأعمى يقوده خلفه، وأخذ الأعمى ثقل البصير فحمله على كتفه، وتواسيا بذلك الزاد، وقطعا الطريق، ونجوا جميعا. فليس لأحدهما أن يمن على الآخر في إنجائه له من الهلكة في معاونته؛ لأنهما نجوا جميعا بمعاونة كل واحد منهما صاحبه» (45: 4، 52-55).
ويقولون في خطاب موجه إلى أخ بعثوه للإشراف على أحد فروع الجمعية: «وقد اخترناك أيها الأخ الرحيم، أيدك الله وإيانا منه، لمعاونتهم ... لتكون مساعدا لهم ومعاضدا لإخوانك؛ لأن جوهرك من جوهرهم، ونفسك من نفوسهم. فانظر بعقلك وميز ببصيرتك من ترى من إخوانك وأصدقائك من الكتاب والعمال، وأهل العلم والفضل، وحملة الدين والأديان، ومن تبعهم من حاشيتهم وغلمانهم، ممن يمكنك الوصول إليهم بأرفق ما تقدر عليه من اللطف والمداراة، بأن تذكر لهم ما ألقيناه عليك من حكمتنا وأسرار علمنا ... فإذا عرفت منهم أحدا وآنست منه رشدا، عرفنا حاله وما هو بسبيله من أمر دنياه وطلب معايشه وتصرفه في حالاته، لكي نعرف ذلك ونعاونه على ما يليق به من المعاونة. فإن كان ممن يخدم السلاطين ويتصرف في أعمالهم، أوصينا إخواننا ممن يكون بحضرة السلاطين والملوك بالنيابة عنه والنصيحة له وحسن الرأي فيه لدى الملوك والسلاطين والوزراء؛ وإن كان من أبناء التناء والدهاقين والأشراف وأرباب الضياع، أوصينا إخواننا ممن يتولى عمل السلطان بصيانته وحسن معاونته في ملته وكف الأذية عنه، وقبض أيدي الظالمين عن البسط إليه؛ وإن كان من أبناء أصحاب النعم وأرباب الأموال عاوناه بحسب ذلك؛ وإن كان من الفقراء المحتاجين واسيناه مما آتانا الله من فضله؛ وإن كان ممن يرغب في العلم والحكمة والأدب وأمر الدين وطلب الآخرة، علمناه مما علمنا الله، عز وجل، وألقينا إليه من حكمتنا وأطلعناه على أسرارنا، بحسب ما يحتمل عقله وتتسع له نفسه وتتوق إليه همته. ... واعلم أننا لا نستعين بأحد من إخواننا على أمر الدين قبل أن نبذل له من المعاونة على أمر الدنيا؛ فإن كان مستغنيا عن معاونتنا فذلك الذي نريد له، وإن كان محتاجا إلينا فذلك الذي نريد منه، حتى إذا كفيناه ما يهمه من أمور دنياه، وأفرغ لنا قلبه وأجمع لنا رأيه واستغنى عن ذلك بقوة نفسه وتمييز عقله وصفاء جوهره، فإن كان عنده علم ليس عندنا تعلمنا منه تعلم صبيان الكتاب ... وإن كان يرغب فيما لدينا من العلم علمناه، بحسب رغبته وطلبته» (48: 4، 165-167). «واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه ليس من جماعة يجتمعون على تعاون في أمر من أمور الدنيا والآخرة أشد نصيحة بعضهم لبعض من تعاون إخوان الصفاء. وينبغي أن تعلم أن العلة التي تجمع بين إخوان الصفاء هي أن يرى ويعلم كل واحد منهم أنه لا يتم له ما يريد من صلاح معيشة الدنيا، ونيل الفوز والنجاة في الآخرة، إلا بمعاونة كل واحد منهم لصاحبه. وأما السبب الذي يحفظهم على تلك الحال فهو المحبة والرحمة والشفقة والرفق من كل واحد منهم، والمساواة فيما يريد ويحب ويبغض ويكره لنفسه. واعلم أن هذه الشرائط تتم وتدوم إذا علم كل واحد منهم بأن أنفسهم نفس واحدة وإن كانت أجسادهم متفرقة» (48: 4، 170). «... إنا نحن جماعة إخوان الصفاء، أصفياء وأصدقاء كرام، كنا نياما في كهف أبينا آدم مدة من الزمان تتقلب بنا تصاريف الزمان ونوائب الحدثان، حتى جاء وقت الميعاد بعد تفرق في البلاد في مملكة صاحب الناموس الأكبر، وشاهدنا مدينتنا الروحانية المرتفعة في الهواء، وهي التي أخرج منها أبونا آدم وزوجته وذريتهما، لما خدعهما عدوهما اللعين وهو إبليس وقال: ... هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى .
نامعلوم صفحہ