طریق اخوان صفا
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
اصناف
وفي كل موضع تحدث فيه الإخوان عن مراتب النفس الإنسانية على طريق الارتقاء لم يتحدثوا عن المرتبة الإمامية التي تلي النبوة في العقيدة الشيعية: «اعلم أيها الأخ، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الحيوانات زينة الأرض، كما أن الكواكب زينة السماء، وأن أتم الحيوانات هيئة، وأكملها صورة، وأشرفها تركيبا هو الإنسان، وأفضل الإنسان هم العقلاء، وأخيار العقلاء هم العلماء، وأعلى العلماء درجة وأرفعهم منزلة هم الأنبياء، عليهم السلام، ثم بعدهم في الرتبة الفلاسفة الحكماء» (47: 4، 124). في هذا النص وأشباهه لا يوجد ذكر للأئمة، وورثة الأنبياء هم الحكماء لا الأئمة، وهؤلاء الحكماء لم يرثوا المرتبة وراثة عن آل البيت ولكنهم حصلوها بكدحهم الروحي: «ثم اعلم أن الحكماء والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم سفراء الله بينه وبين خلقه ... فإذا مضت الأنبياء لسبلها خلفهم العلماء والحكماء، وقاموا مقامهم ونابوا منابهم فيما كانوا يقولون ويفعلون» (40: 3، 317).
الإخوان والإسماعيلية
وإذا لم يكن إخوان الصفاء ينتمون إلى إحدى الجماعات الشيعية المعروفة، وعلى الأخص إلى الشيعية الاثنا عشرية التي كانت تشكل الاتجاه الشيعي الرئيس، فمن الأولى عدم انتمائهم إلى الإسماعيلية التي وصل تركيزها على الإمامية حد قول بعض مفكريهم بأن الله وضع وحدته في الإمام وخلع عليه ألوهيته. وقد انشق الإسماعيليون عن الاتجاه الشيعي الرئيس عقب وفاة الإمام السادس جعفر الصادق عام 148 للهجرة. فقد كان الإمام قد أوصى بالإمامة من بعده لإسماعيل، ابنه من زوجته الأولى فاطمة حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان يكبر أخاه غير الشقيق موسى الكاظم بنحو خمس وعشرين سنة. ولكن إسماعيل توفي في أواخر حياة والده. وعندما توفي جعفر الصادق دون وصية جديدة، قاد النزاع على خلافته إلى الانقسام الشيعي الكبير إلى موسوية تبعوا موسى الكاظم الأخ الأصغر غير الشقيق لإسماعيل، وإسماعيلية قالوا إن الإمامة لا تنتقل من أخ لأخيه، وإنما هي نازلة في الأعقاب، وبالتالي فإن الإمامة تنتقل من إسماعيل إلى ابنه محمد. وبعد سلسلة من الأئمة المكتومين من أعقاب محمد بن إسماعيل الذين أقام معظمهم في مدينة سلمية بالمنطقة السورية الوسطى، آلت الإمامة إلى عبد الله المهدي الذي تولى القيادة عام 286ه، ثم رحل إلى شمال أفريقيا حيث أسس الدولة الفاطمية.
لقد عاصر إخوان الصفاء صعود الخلافة الفاطمية التي كان على رأسها الأئمة الإسماعيليون، ولكن رسائلهم لم تشر من قريب أو بعيد إلى هؤلاء الأئمة، ولم تبد معنية بدعوتهم، وإنما كانت تبشر بدولة إخوان الصفاء ومملكتهم الروحانية. «واعلم أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء وخيار فضلاء يجتمعون على رأي واحد، ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد، ويعقدون بينهم عهدا وميثاقا أن لا يتجادلوا ولا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضا، ويكونون كرجل واحد في جميع أمورهم، وكنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة» (4: 1، 181). «وينبغي لنا أيها الأخ بعد اجتماعنا على الشرائط التي تقدمت من صفوة الإخوان، أن نتعاون ... ونبني مدينة فاضلة روحانية، ويكون بناء هذه المدينة في مملكة صاحب الناموس الأكبر الذي يملك النفوس والأجساد» (48: 4، 171).
وبالمقابل فإننا لا نجد لإخوان الصفاء ورسائلهم ذكرا لدى المفكرين الإسماعيليين إبان عصر نهضة الفكر الإسماعيلي في القرنين الرابع والخامس الهجري، من أمثال القاضي النعمان، والكرماني، والنسفي، والرازي، والسجستاني. ولو كانت رسائل الإخوان تشكل المصدر الأكبر للفكر الإسماعيلي، لاعتمد عليها هؤلاء المفكرون صراحة وأشادوا بها، ولكن شيئا من هذا لم يحدث. على أن هذا التجاهل لا يعني أن هؤلاء المفكرين والدعاة الإسماعيليين لم يعرفوا الرسائل أو يتأثروا بها، بل لقد عرفوها وتداولوها ونهلوا منها الكثير، ودخلت أفكارها في صلب العقائد الإسماعيلية، ولكنهم كانوا يعرفون أيضا أن مؤلفي الرسائل لم يكونوا إسماعيليين، ولم يكن لهم بالتالي أن يعطوا أفكارهم مصداقية رسمية، أو أن يعتبروها بقضها وقضيضها تراثا إسماعيليا. وفي الحقيقة فإن الرسائل لم تعتبر مصدرا رسميا معتمدا من قبل أي فئة إسماعيلية عدا فئة الإسماعيلية الطيبية التي شكلت لها دولة في اليمن في القرن السابع الهجري، أي بعد انهيار الخلافة الفاطمية في مصر.
بعد زوال الخلافة الفاطمية عام 569ه، وأثناء فترات ضعف الدعوة الإسماعيلية، أخذ بعض المؤلفين الإسماعيليين بإعادة الاعتبار للرسائل، وصنفوها في عداد الأعمال الإسماعيلية المبكرة، حتى إن بعضهم عزا تأليفها إلى أحد الأئمة من سلالة محمد بن إسماعيل في دور الستر قبل تأسيس الدولة الفاطمية. وحذا حذوهم في ذلك بعض المفكرين الإسماعيليين المعاصرين الذين دافعوا عن هذه الفكرة بقوة. يورد الدكتور عارف تامر في مقدمته للرسالة الجامعة، وفي كتابه «حقيقة إخوان الصفاء وخلان الوفاء»
2
الشواهد الآتية:
قال المؤرخ اليمني الكبير إدريس عماد الدين المتوفى سنة 872ه في كتابه عيون الأخبار: «وقام الإمام التقي أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل، بعد أبيه بأمر الإمامة، وبث دعاته في الآفاق من مدينة سلمية، واتصل به الدعاة ودعوا إليه وهم مخفون لمقامه كاتمون لاسمه. وكان [الخليفة] المأمون حين احتال على علي بن موسى الرضى بن جعفر ظن أن أمر الله قد انقطع وحجته قد ارتفعت، فحين ظن ذلك الظن ووهم ذلك الوهم سعى في تبديل شريعة محمد وتغييرها لكي يرد الناس إلى الفلسفة وعلم اليونانيين، فخشي الإمام أن يميل الناس إلى ما زخرف المأمون عن شريعة جده، فألف رسائل إخوان الصفاء» ... وذكر هذا المؤلف أيضا فهرست هذه الرسائل على التمام فقال: «هذه فهرست الرسائل التي ألفها الإمام. وقد جمع فيها أنواع العلوم الفلسفية والهندسية، وجعل رسالته الجامعة الغاية التي يتبين منها المراد ويتضح المعنى للمرتاد، وقصرها على خلصاء شيعته وخبرة خاصته. وإنما ألف الإمام تلك الرسائل لتقوم الحجة على المأمون وأتباعه حين انحرفوا عن علم النبوة».
وقال الفقيه اليمني الكبير شرف الدين جعفر المتوفى سنة 834ه، في رسالته «الموقظة»: «حتى هم المأمون أن يرد الأمة إلى دين القول بالنجوم ... وقال: ما جاء محمد إلا بناموس ملك به الناس، وحقيقة وأساس، حتى أظهر ولي الله وابن رسول الله رسائل إخوان الصفاء، وفيها ما تحير به جميع العالم من العلوم في كل فن، والاستشهاد على شريعة الرسول، وهو في كهف التقية مستتر، ودعاته الباقون مغرقون لتلك الرسائل في كل شهر وقطر.»
نامعلوم صفحہ