للذوق والوجدان والكشف والإلهام، لا للشرع والحجة والبرهان. فالشريعة شيء، وأصحابها أصحاب الظاهر. والطريقة شيء، وأصحابها أصحاب الباطن. هذا علم الصدور، وذاك علم السطور. هذا علم اللبّ وذاك علم القشور. بل هذا العلم حجاب دون ذلك العلم. وبهذا التفريق المزعوم قد انفسح مجال الانحراف والضلال في علم السلوك الذي هو أهمّ العلوم، فإن سعادة الإنسان في الدارين منوطة به، وانفتح الباب لكل دخيل غريب، فتشعبت الطرق، وكثرت المزالق، ولا نهاية للترّهات بعد العدول عن قصد السبيل وسواء الصراط.
فالهجرة الثانية -وهي الهجرة إلى ما جاء به الرسول ﷺ من الكتاب والسنة واتباعُه في كل منازل السلوك- هي التي توصل العبد إلى اللَّه، وتصونه عن الجور والانحراف، وتضمن له السعادة في الدنيا والآخرة. يقول المؤلف ﵀ في مقدمة هذا الكتاب: "ولما كانت السعادة دائرة نفيًا وإثباتًا مع ما جاء به كان جديرًا بمن نصح نفسه أن يجعل لحظات عمره وقفًا على معرفته، وإرادته مقصورة على محابّه. وهذه أعلى همة شمّر إليها السابقون، وتنافس فيها المتنافسون. فلا جرم ضمنًا هذا الكتاب قواعد من سلوك طريق الهجرة المحمدية".
فهذا هو مقصود الكتاب، ولكن كيف تناوله المؤلف، وما المباحث التي اشتمل عليها الكتاب؟ هذا سنبينه في الصفحات الآتية.
المقدمة / 24