وإذا بصوت جاد يسأل: صابر سيد صاحب الإعلان؟ - نعم أنا هو. - أنا سيد سيد الرحيمي فماذا تريد؟ - لا بد من مقابلتك! - أنا منتظرك بمحل فتركوان، هل تعرفه؟ - نعم، سأكون عندك في خلال دقائق.
وأجال عينيه في المحل حتى رأى رجلا جالسا إلى مائدة إلهام، لم يشك لحظة في أنه صاحب الصورة. بل إنه لم يكد يتغير في مدى الثلاثين عاما، عدا انتشار المشيب في سوالفه، وانطباع تجاعيد غير ملحوظة إلا عند التدقيق حول فيه وتحت عينيه. نظر صوبه في رهبة حقيقية إذ وجده أضخم وأفخم من أي خيال. واتجه نحوه حتى حدس الرجل شخصيته فنهض لاستقباله فتصافحا، وصابر لا يحول عنه عينيه. - صابر أفندي؟ - نعم، وسيادتك صاحب الصورة بلا ريب.
وجلسا والرجل يقول: أنت شاب في عز الشباب، ويخيل إلي أني رأيتك قبل الآن، أين يا ترى؟ - أنا في الأصل من الإسكندرية، وأنزل الآن في فندق القاهرة بشارع الفسقية، وأمشي كثيرا في شارع كلوت بك وميدان المحطة، وقد جلست أكثر من مرة إلى هذه المائدة. - لا شك أني رأيتك في أحد هذه الأماكن، فأنا أزور الإسكندرية من آن لآن، وأمر كل يوم بميدان المحطة، وليس نادرا أن أجلس في هذا المحل.
فهتف صابر: هذا أعجب ما سمعت، ولو أنني لا أذكر أني رأيتك من قبل إلا بالتخيل، ولكن متى اطلعت على الإعلان؟ - منذ أول يوم. - حقا؟ ولكنك لم تتصل بي إلا اليوم! - بلى، ذلك أن الإعلان يدل على أنك لم تستطع الاهتداء إلي بالطريق العادي على حين أنني رجل معروف جدا، ولا أيسر من الاهتداء إلى بيتي أو مكان عملي، لذلك تجاهلت نداءك، ولما لمست إلحاحك لم أر بدا من الاتصال بك. - هذا عجيب حقا فإني لم أصادف أحدا يعرفك، ولا رقم لك في الدليل. - لندع ذلك الآن وخبرني عما تريد؟ - الحق أني أريدك أنت، ولكن ألا تلاحظ شيئا يا سيدي؟
ونظر في وجهه متوقعا أن يلاحظ الشبه بينه وبين الصورة، ولكنه خيب ظنه فقال بجزع: انظر إلى وجهي. - ماذا في وجهك؟
وهنا سمع صوتا يهمس: أستاذ صابر!
التفت نحو الصوت فرأى إلهام واقفة. نهض فصافحها، ثم هم بتقديمها إلى أبيه، وإذا بالرجل يمد لها يده قائلا: إلهام! كيف حالك؟
وقبلت الفتاة يده باحترام فهتف صابر: إذن أنت تعرفينه!
فسأله الرجل دون اكتراث بدهشته: خبرني متى عرفت ابنتي؟
فصاح صابر: ابنتك! رباه!
نامعلوم صفحہ